وبين الجاهليين أناس عرفوا بالغنى وبالثراء وبكثرة المال، كالذي ذكرته عن بعض رجال مكة. فقد كان بينهم رجال متخمون شبعون، سكنوا بيوتًا حسنة، زينوها بأثاث جيد وثير، ولبسوا ملابس الحرير والألبسة الجيدة المستوردة من بلاد الشام واليمن، وأكلوا أكلات الأعاجم وتفننوا في الطبخ، وشربوا بآنية من ذهب وفضة وبلور. وساهموا في قوافل تجارة مكة الجماعية. كما كانت لهم قوافل خاصة بهم، تأتي إليهم بأرباح طيبة. ومنهم من استغل ماله بالربا وبامتلاك الأرض لاسغلالها، كما فعلوا بالطائف، إلى غير ذلك من وسائل اتبعوها في جمع المال.
وكان منهم أناس ذوو حس وعاطفة، فعطفوا على المحتاج وأطعموا الناس، رقة بحالهم أو طلبًا للشهرة والاسم. فهم جماعة محسنة على كل حال، وكان بينهم من لم يكن له قلب ولا حس، فلم يعرف محتاجًا أو فقيرًا ولم يفهم معنى للإحسان على الفقير. فاشتط وأبى وقسى في رباه، ولم يتساهل فيه. ومنهم من أكل أموال اليتامى ومنع الماعون. وإذا باع أنقص في المكيال، ليزيد في ماله. وفي القرآن الكريم آيات في وصف حال هؤلاء الأغنياء، وتقريع لهم وتوبيخ على ما فعلوه:{فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ، وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} ١. أي يدفع