للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الطرق البرية]

من نتائج غَلَبَة الطبيعة الصحراوية على أرض جزيرة العرب، أن انحصر امتداد شرايين المواصلات فيها في أماكن خططتها الطبيعة نفسها للإنسان، فجعلتها تسير بمحاذاة الأودية ومواضع المياه والآبار، وهي السبل الوحيدة التي يستطيع المسافر ورجال القوافل أن يستريحوا في مواضع منها ويحملون منها الماء. وتنتهي رءوس هذه الطرق بالعراق وببلاد الشام في الشمال وبالعربية الجنوبية وبموانئها في الجنوب، وهناك طرق أخرى امتدت من العربية الشرقية إلى العربية الغربية، ولها مراكز اتصال بالطرق الطولية الممتدة من الشمال إلى الجنوب في الغالب. وقد أقيمت في مواضع من هذه الطرق مواضع سكنى ذات مياه من عيون أو آبار، عاشت ونمت بفضل منة مائها عليها؛ فصارت منازل مريحة لرجال القوافل يحمدون آلهتهم عليها، ويحمد أصحاب ذلك الماء آلهتهم على منتها عليهم بإعطائهم ذلك الكنز العظيم الذي أعانهم على العيش وجلب لهم كرم التجار.

وفي العقد الحساسة من هذه الطرق نشأت المستوطنات، ومواطن السكنى القديمة انتشرت في أماكن متباعدة بعضها عن بعض في الغالب؛ فكان لهذا التوزيع أثر كبير في الحياة الاجتماعية والحياة السياسية والعسكرية، ولا شك. وما الطرق الحالية التي يسلكها الناس اليوم إلا بقية من بقايا تلك الطرق القديمة التي ربطت أجزاء الجزيرة بعضها ببعض، كما ربطت الجزيرة بالعالم الخارجي. ونجد في مخلفات تلك المستوطنات مواد مستوردة من مواضع بعيدة، هي دليل بالطبع على أن الإنسان كان يقطع الطرق قبل الميلاد بمئات من السنين ليتاجر ويبيع ويشتري دون أن يبالي المسافة وطول الشُّقَّة وصعوبة الحصول على وسائل النقل وما يتعرض له، وهو في طريقه إلى هدفه، من مخاطر وأهوال.

<<  <  ج: ص:  >  >>