ولا بد أن يكون فتح الحبش لليمن قد ترك أثرًا في لهجات أهلها، ولا سيما بين النصارى منهم، ممن دخلوا في النصرانية بتأثير الحبش من ساسة وإداريين ومبشرين، فاستعملوا المصطلحات الدينية التي كان يستعملها الأحباش لعدم وجود ما يقابلها عندهم في لهجاتهم لوثنيتهم. ولكني مع ذلك لا أستطيع أن أقول إن تلك المصطلحات كانت كلها حبشية الأصل والأرومة؛ لأن الكثير منها لم يكن حبشيًّا في المنشإ والوطن، وإنما كان دخيلًا مستوردًا، جاءت به النصرانية من لغة بني إرم، أو من اللغات الأخرى المتنصرة، فأدخلتها إلى الحبشة، فاستعملها الأحباش وحرفوا بعضها على وفق لسانهم، ومنهم انتقلت بالفتوح وبالاتصال إلى اليمن.
وقد عرض علماء اللغة المسلمون والمستشرقون لعدد من الألفاظ العربية، ذكروا أنها من أصل حبشي، وهي من الألفاظ التي كانت مستعملة معروفة قبل الإسلام، وقد ورد بعضها في القرآن الكريم وفي الشعر المنسوب إلى الجاهليين. ومثل هذه الألفاظ تستحق أن تكون موضع درس وتمحيص لمعرفة صحة أصلها ونسبها ودرجة أرومتها في الحبشية، لمعرفة أثر الأحباش في العرب، وأثر العرب في الأحباش؛ لأن بعض ما نسب إلى الأحباش من كلم هو من أصل عربي جنوبي، هاجر من اليمن بطرق متعددة إلى إفريقية، واستعمل هناك، ظن أنه حبشي الأصل، وأن العرب أخذوه من الأحباش.
وقد أثر فتح الحبش لليمن على سحن الناس أيضًا. فظهر السواد على ألوانهم عند غلبة الحبشة على بلادهم. وقد تأثروا بأخلاق الحبش كذلك١.