للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الثاني والخمسون بعد المئة: تدوين الشعر الجاهلي]

[مدخل]

...

الفَصْلُ الثَّانِي والْخَمْسونَ بَعْدَ المائةِ: تَدْوِينُ الشِّعْرِ الجَاهِلِيِّ

ليس في الشعر الجاهلي بيت واحد يستطاع أن يثبت أنه كان مدونًا في الجاهلية وأن رواة الشعر وحفظته وجدوه مكتوبًا بأبجدية جاهلية، فنقلوه عنها. ولم يتجاسر -على ما أعلم- أحد من رواة الشعر أو حافظ من حفاظه على الادعاء بأنه نقل ما عنده من شعر جاهلي من ديوان جاهلي، أو من قراطيس جاهلية، أو من مادة مكتوبة أخرى تعود أيامها إلى الجاهلية. فكل ما وصل إلينا من هذه البضاعة، إنما هو من عهد الكتابة والتدوين، وعهد التدوين لم يبدأ إلا في الإسلام، وأول تدوين للشعر، إنما كان في عهد الأمين.

وعدم وصول شعر جاهلي إلينا مدون في أيام الجاهلية، أو منقول عن مكتوبات جاهلية، ثم عدم ادعاء أحد من قدماء الرواة أنه قد نقل من دواوين أو قراطيس جاهلية، يحملنا على القول بعدم تدوين الجاهليين لشعرهم وبعدم اهتمامهم بتسجيله. فلِمَ وَقَع ذلك؟ ولِمَ أحجم الجاهليون عن تدوين شعرهم، وهو تراثهم الخالد وسجلهم وديوانهم الذي به حفظت الأنساب وعرفت المآثر، ومنه تعلمت اللغة، وهو حجة فيما أشكل من غريب كتاب الله، وغريب حديث رسول الله، وآثار أصح منه، فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب، وتشاغلوا بالجهاد وغزو فارس والروم ولهت عن الشعر وروايته، فلما كثر الإسلام وجاءت الفتوح، واطمأن العرب بالأمصار، راجعوا رواية الشعر، فلم يئلوا إلى ديوان مدون، ولا كتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>