ولا بد لي، وقد انتهيت من الكلام على الغساسنة، من الإشارة إلى ضعف مادة الأخباريين عنهم، وقلة معرفتهم بهم، فأنت إذا درست هذا الذي رووه عنهم، وحللته تحليلًا علميًّا لا تخرج منه إلا بنتائج تأريخية محدودة ضيقة تريك أنهم لم يكونوا يعرفون من أمرهم إلا القليل، وأنهم لم يحفظوا من أسماء أفراد الأسرة الحاكمة غير أسماء قليلة، وما عداها فتكرر وإعادة لهذه الأسماء القليلة، أو أوهام. وأنت إذا راجعت التواريخ مثل تأريخ الطبري لا تكاد تجد فيها شيئًا يذكر عن هذه الأسرة. وقد تفوق كتب الأدب كتب التأريخ في هذا الباب.
ويعود الفضل في ذلك إلى الشعر، فلعدد من شعراء الجاهلية أشعار في مدح آل جفنة أو ذمهم، ولهم معهم ذكريات حفظت بفضل هذا الشعر الذي يرويه الرواة ويروون المناسبات التي قيل فيها. فلولاه ضاع أيضًا هذا القليل الذي عرفناه من أخبار الغساسنة.
وحتى القوائم، وهي جافة في الغالب، لا تستند أيضًا إلى علم بالرغم من هذا الترتيب الذي يحاول أصحابه إظهاره لنا بمظهر الواقع والحق. ولن تكسب سنوات الحكم المذكورة مع كل ملك ثقتنا بها. ولا اعتمدنا عليها. وقد اعتمد