للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الخمسون بعد المئة: البصرة والكوفة]

...

الفَصْلُ الخمْسونَ بَعْدَ المائةِ: البَصْرَةُ والكُوفَةُ

لا بد لنا من التعرض لأثر البصرة والكوفة في عمل القواعد وفي وراية الشعر الجاهلي، إن أردنا فهم هذا الشعر وكيف جمع ودوِّن، وكيف نحل المنحول منه، فقد كان للمدينتين الأثر الأكبر في جمع هذا الشعر وفي تدوينه ونحله.

ولا بد من التحدث أولا عن أثر العصبية القبلية في هاتين المدينتين. فقد بنيتا على أساس هذه العصبية. فلما بنيت الكوفة، جعلت قسمين: قسم لليمن، وقسم لنزار، وكانت الأغلبية لليمن. ووزعت المحلات والسكك حسب القبائل١، وكذلك كان الأمر بالبصرة حين شرع ببنائها، فقد روعي في بنائها، توزيع أحيائها على حسب النسب والقبائل٢، فكانت عصبية الحي للعشيرة أولا، وللقبيلة ثانيًا، ثم للمدينة ثالثًا. وهكذا غرست بذور العصبية في أرض المدينتين، منذ شرع بوضع أساس التأسيس.

وتجمعت العصبية القبلية في العصبية للمدينة، فتعصب عرب الكوفة ومواليها للكوفة، وتعصب عرب البصرة ومواليها للبصرة، "يفخر كل منهما بطبيعة الأرض وموقعها الجغرافي، ويفخر كل بما كان على يده من فتوح البلدان، ويفخر كل ممن نزل عندهم من صحابة رسول الله، ويعير كل الآخر بما نبت عنده من


١ البلاذري، فتوح البلدان "٢٧٤"، "تمصير الكوفة"، "طبعة رضوان محمد رضوان".
٢ البلاذري "٣٤١"، "تمصير البصرة".

<<  <  ج: ص:  >  >>