[الفصل الثاني والثمانون: أثر النصرانية في الجاهليين]
وإذا كنا قد حرمنا من الموارد الأصلية التي يجب أن نستعين بها في معرفة أثر النصرانية عند نصارى الجاهلية والجاهليين، فإن في الشعر المنسوب إلى بعض نصارى الجاهلية مثل عدي بن زيد العبادي وإلى بعض الشعراء ممن كان لهم اتصال بالنصارى مثل الأعشى، فائدة في تكوين صورة يتوقف صفاؤها ووضوحها وقربها أو بعدها من الواقع والحق على مقدار قرب ذلك الشاعر من الصدق والصواب والواقع والافتعال.
وعدي بن زيد هو أشهر من وصل إلينا خبره من شعراء النصارى الجاهليين. هو من العباديين، أي من نصارى الحيرة، ولذلك عرف بالعبادي. كان من أسرة اكتسبت نفوذا واسعا ونالت حظًّا كبيرًا عند الفرس وعند ملوك الحيرة، فكان لها أثر خطيرًا في سياسة عرب العراق في ذلك الزمن. ولما كانت السياسة ارتفاعا وهبوطا، سعادة وشقاء، لاقى عدي منها الاثنين: ارتفع حتى بلغ أعلى المنازل، ثم انخفض حتى تلقاه قابض الأرواح وهو في سجنه فقضى عليه بعد أن ترك أثرًا خطيرًا في سياسة الحيرة وفي تقرير مصير الملك فيها. وعدي، على ما يذكر أهل الأخبار، من أهل اليمامة في الأصل: هاجر أحدا أجداده من اليمامة إلى الحيرة بسبب دم أهرقه هناك، فخاف على نفسه من الثأر، ولم يجد محلا أصلح له وآمن مقاما من الحيرة، لوجود "أوس بن قلام" أحد رؤساء بني الحارث بن كعب فيها، وهو من أصحاب الجاه والنفوذ، وبينه وبين أوس