نسب من النساء، وهو من نسب يضمن له الحماية والعيش بسلام، فجاء إلى الحيرة وأقام بها حيث أكرمه أوس وقربه إلى آل لخم، واكتسب منزلة عالية عند ملوك الحيرة، انتقلت من بعده إلى أبنائه الذين كونوا لهم صلات وثيقة مع آل لخم ومع ملوك الفرس، بما كان لهم من علم وذكاء وحسن سياسة، ويذكر الإخباريون أن جد عدي قد تعلم الكتابة في الحيرة، فصار من أكتب الناس فيها، وأنه لذلك انتخب كاتبا لملك الحيرة، واتصل بحكم وظيفته المهمة هذه بدهاقين الفرس، وأنه لما توفي أوصى بابنه زيد والد عدي إلى واحد منهم يعرف بـ "فروخ ماهان" فأخذه هذا إلى بيته، ورباه مع ولده. فتعلم عندهم الفارسية، وحذقها وكتب بها وبرز، وكان قد حذق الكتابة بالعربية كذلك، فأوصله الدهقان إلى كسرى، لعلمه هذا باللغتين ولذكائه، فعينه في وظيفة مهمة لم يكن الفرس يعينون لها أحدا من غيرهم هي وظيفة البريد. وقد مكث في هذه الوظيفة زمانا جعلته يكتسب منزلة محترمة عند عرب الحيرة والفرس.
وعني زيد بتربية ولده عديا: أرسله إلى الكتاب ليتعلم به العربية. فلما برع فيها، أرسله إلى كتاب الفارسية حيث تعلم مع أبناء المرازبة فنون القول والكتابة، ثم تعلم الرماية ولعب الفرس حتى صار من المبرزين فيها. وقد قربه علمه وعقله من آل لخم ومن الفرس حتى وصل إلى مناصب عالية جعلت لقوله أهمية كبيرة حتى في تثبيت ملك ملوك الحيرة.
وقد أرسله "هرمز بن أنو شروان" في سفارة مهمة إلى القيصر "طيباريوس" فأداها على خير وجه. وعاد فأقام أمدا بالشام، ووقف على ما كان فيها من علم ومعالم. وقد زادت هذه الأسفار بالطبع في سعة أفقه وفي ثقاقته. ثم عاد إلى الحيرة. فوجد والده قد توفي بعد أن صار المهيمن الحقيقي على البلاد. وزار كسرى ليقدم إليه هدايا قيصر. وارتفع نجمه في البلاطين. وتزوج هندا بنت الملك النعمان. غير أن تقدمه هذا أوجد له خصومة شديدة من منافسيه "بني مرينا" وهم نصارى مثله ومن أهل الجاه والحسب، فأغرى خصمه ومنافسه العنيد "عدي بن مرينا" قلب النعمان عليه. وكان عدي بن زيد صاحب الفضل في حصول النعمان على تاج. وظل "ابن مزينا" يعمل في الخفاء للقضاء على عدي،