للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى تمكن من ذلك، إذ سجنه النعمان، ثم أمر فاغتيل وهو في السجن١.

وذكر أن "كسرى" جعله كاتبا على ما يجتبى من الغور، وكان هو سبب ملك النعمان بن المنذر٢.

والذي يهمنا في هذا الموضع من أمر عدي هو مدى وقوف عدي على النصرانية ومبلغ تسربها في نفسه وفي نفوس أهل الحيرة. أما النواحي الأخرى من حياته، فليس لها محل في هذا المكان. وشعر عدي وأضرابه من العباديين هو سندنا الوحيد الذي نستخرج منه رأينا في النصرانية عند عدي وعند إخوانه العباديين.

والشعر المنسوب إلى عدي أقرب إلى نفوسنا وأسهل علينا فهما من الشعر المنسوب إلى بقية الجاهليين، معانيه وألفاظه حضرية متحررة من الأساليب البدوية التي تميل إلى استعمال الجزل من الكلمات، وهو يخالف مذاهب أولئك الشعراء في كثير من الأمرو. ولهذا "كانت الرواة لا تروي شعر أبي دواد ولا عدي بن زيد لمخالفتهما مذاهب الشعراء"٣، و"لأن ألفاظه ليست بنجدية"٤. وقد ورد في شعره بعض المعربات مما يدل على أثر الفارسية والإرامية فيه٥. وكثير من شعره هو في الزهد، وفي التذمر من هذه الدنيا التي لا تدوم حالها على حال، وفي تذكير الأحياء بنهاية الأموات بالرغم مما أقاموه وشيدوه من أبنية ضخمة وقصور شاهقة. وهذا الشعر يتناسب مع ما يذكره أهل الأخبار عن حياة هذا الشاعر وتألق نجمه وبلوغه أعلى المراتب ثم سقوطه فجأة ودخوله السجن واغتياله فيه. وفي شعره قصائد في القيان وفي الخمر تتحدث عن الحياة التي قضاها قائلها، وهي حياة لذيذة ولكنها لا تدوم بالطبع إلى الأبد، ولا بد لها أن تزول ثم تنتهي بما.


١ المشرق، الجزء الأول، كانون الأول ١٩٤٤، "ص٣٩ وما بعدها"، شعراء النصرانية "٤٣٦ وما بعدها"، كارلو كانينو، تاريخ الآداب العربية في الجاهلية حتى عصر بني أمية "ص٧١"، "القاهرة ١٩٥٤",
Ency, I, p. ١٣٧, Brockelmann, I, S. ٢٩, Rothstein, S. ١٠٩, Noldeke, Geschlchte der Perser und Araber zur Zeit der Sassaniden, s. ٥١٢, Islamic Culture, IV, p. ٣١, ff.
٢ نوادر المخطوطات، أسماء المغتالين "١٤٠".
٣ الأغاني "١٥/ ٩٣", "مطبعة التقدم"، "ذكر أخبار أبي دؤاد الأيادي ونسبه"، نالينو "٧٤".
٤ ابن قتيبة، الشعر "١١٥".
٥ نالينو "٧٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>