ولا بد أن يكون للجاهليين علم بطرق السيطرة على المياه، وبطرق استنباطها والاستفادة منها. ففي مواضع من اليمن والحجاز والعربية الجنوبية آثار سدود مثل سد مأرب، لا يمكن أن تكون قد أنشئت بغير علم ودراية وخبرة. ففيها فن في كيفية جمع المياه في خزاناتها، وفن في كيفية تصريفها وتوزيعها وقت الحاجة بقدر، وفيها أبواب تتحكم في سير الماء. كذلك كان لهم علم في حفر الآبار وإنشاء الصهاريج لجر المياه إلى الأماكن التي تحتاج إليها. وقد اشتهرت ثقيف بعلمها بطرق استنباط المياه. واشتهرت قبائل أخرى بهذا العلم أيضًا، وذكر أن بعضها كانت تتفرس وتحدس بوجود الماء من نظرها إلى لون التربة ومن شمها ومن علامات أخرى عرفوها وأدركوها بالتجربة.
ونجد اليوم بقايا سدود استخدمت لحبس "السيول" للاستفادة منها في الشرب وفي الزراعة. وتقع أكثر هذه السدود في الأودية التي تكون مسايل تسيل منها الأمطار المتساقطة في موسمي المطر في العربية الجنوبية. فتعمل الأحباس بين طرفي الوادي لتحبس الماء، فلا يندفع إلى المواضع المنخفضة فيذهب عبثًا، وبذلك يرتفع مستواه، فيسقي الزرع على جانبيه، وتعمل سواقي لتسيل منها المياه إلى الأماكن المنخفضة التي تقع تحت هذه الأحباس، وهكذا تسقى بقية المزارع. وتختلف هذه الأحباس من حيث جودة العمل والإتقان، فبعضها أحباس بدائية بسيطة،