للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الاعتقاد بإله واحد]

والذي يفهم -وذلك كما سبق أن قلت- من القرآن الكريم ومن الحديث أن قريشًا ومن كان على اتصال بهم، أو غيرهم من قبائل أخرى، لم يكونوا ينكرون عبادة الله، ولم يكونوا يجحدون الله، بل كانوا يقرون بوجوده، ويدينون له، وإنما الذي أنكره الإسلام عليهم وحاربهم من أجله وسفه أحلامهم عليه، هو تقربهم على الأصنام والأوثان، وتقديسهم لها تقديسًا جعلها في حكم الشركاء والشفعاء ومرتبة الألوهية. والإسلام لا يعترف بهذه الأشياء، وهو ينكرها، ومن هنا حاربته قريش ومن كان على هذه العقيدة من حلفائها ومن القبائل التي كانت ترى رأيها. فهنا كان موطن الخلاف، لا عقيدة الإيمان بالله١.

وإذا أخذنا بهذا الرأي، رأي اعتقاد الجاهليين أو بعضهم بإله واحد، نكون بذلك قد حللنا عقدة الازدواجية، أي العقيدة الثنائية عند الجاهليين ووجودها في شعرهم، فلا نجد عندئذ غرابة إذا وجدنا شاعرًا يذكر الله في شعره ويحلف به، ثم نجده يذكر الأصنام في الشعر نفسه، ويقسم بها قسمه بالله.

ويكاد يكون الإجماع على ما تقدم. قال ابن قيم الجوزية في معرض مقارنته بين آراء المجوس وعبدة الأوثان من العرب: "بل كفر المجوس أغلظ. وعبَّاد الأوثان كانوا يقرون بتوحيد الربوبية، وأنه لا خالق إلا الله، وأنهم إنما يعبدون آلهتهم لتقربهم إلى الله سبحانه وتعالى، ولم يكونوا يقرون بصانعين للعالم أحدهما خالق للخير والآخر للشر كما تقول المجوس"٢ فالوثنية على هذا الرأي ليست نكرانًا لوجود إله، وإنما هي اعتقاد بوجوده، واعتقاد بفائدة التقرب إليه، بتقربهم إلى الأصنام والأوثان، أي الشفعاء، بما في ذلك المبالغة في تقديس الأشخاص والقبور.


١ Reste, S. ٢١٧, Lyall, Ancient Arabian Poetry, p. XXIX
٢ زاد المعاد "٣/ ٢٢٤"، "فصل في حكمه في الجزية ومقدارها وممن تقبل".

<<  <  ج: ص:  >  >>