مشكلة القديم والحديث، وتصادم الحديث مع القديم، وتفضيل الناس القديم على الحديث، من المشاكل التي شغلت الإنسان منذ ظهوره على سطح الأرض حتى اليوم. فالحديث ينافس القديم، ليحل محله، والقديم يصر على حقه في البقاء وفي جدارته في الخلود. والجيل الجديد يريد أخذ القيادة من الجيل القديم، والجيل القديم لا يريد إعطاءها لأحد إلا إذا كان من جيله، لأنه أقدر في نظره على إدراك الأمور، وأكثر تجاربًا وخبرة وحكمة من الأحداث جماع الجيل الجديد، مع أن كل قديم هو محدث في زمانه الإضافة إلى من كان قبله، وكل جديد سيصير قديمًا بالنسبة إلى من يأتي بعده، ولسبب آخر، هو أن القديم، هو الحاكم المتنفذ، فلا يهون عليه التنازل عن حقه لمستجد.
وقد شغلت هذه المشكلة أذهان الجاهليين ولا شك، كما شغلت أذهان الإسلاميين، فشعراء العصر الأموي، كانوا يرون في شعرهم إبداعًا لم يكن عند من سبقهم من المخضرمين والجاهليين غير أن الناس في أيامهم، لم يكونوا يعطون شعرهم من التقدير ما أعطوه للشعر القديم، كانوا يرونه مولدًا بالإضافة إلى شعر الجاهلية والمخضرمين، وكان لا يعد الشعر إلا ما كان للمتقدمين١.
وكان الشعر القديم، هو الشعر الممتاز المقدم عند علماء الشعر واللغة، فكان أبو عمرو بن العلاء يقول:"لقد أحسن هذا المولد حتى هممت أن آمر صبياننا بروايته" لكنه لم يستشهد به، ولم يجعل الجيد الممتاز من الشعر المولد في منزلة الشعر القديم، لسبب واحد هو قدم الشعر الجاهلي. وقال الأصمعي: جلست إليه ثماني حجج فما سمعته يحتج ببيت إسلامي، وسئل عن المولدين، فقال: ما كان من حسن فقد سبقوا إليه، وما كان من قبيح فهو من عندهم،