للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصل الثمانون المذاهب النصرانية

لقد أصيبت النصرانية بما أصيبت به أكثر الأديان من تشقق وتصدع وانفصام، فظهرت فيها شيع وفرق، تخاصمت فيها بينها وتجادلت. وكان أكثر جدالها في موضوع طبيعة المسيح وعلاقة الأم بالابن، وفي موضوع النفس، وقد عقدت لذلك جملة مجامع كنسية للنظر في هذه الآراء والحكم على صحتها أو فسادها، وفي أمر أصحابها، اجتمع فيها مندوبون من مختلف الأماكن وبينهم بعض الأساقفة العرب. غير إنها لم تتمكن من القضاء على النزعات المختلفة، فظهرت فيها جملة مذاهب، حرمت المجامع أصحابها، وحكمت ببدعتهم وبخروجهم على التعاليم الصحيحة، وطلبت من بعضهم الرجوع إلى الدين الصحيح، غير أن منهم من أصر على رأيه، وتحزب له، وبشر به، فوجد أنصارا وأعوانا انتموا إليه وتسموا به.

والواقع إنه لم يكن من السهل على الداخلين في النصرانية فهم قضية معقدة كهذه القضية، وهي قضية فلسفية جدلية أكثر منها عقيدة دينية. ولذلك كان من الطبيعي وقوع الاختلاف فيها، وتشتت آراء النصرانية بالقياس إليها، خاصة وهي حديثة عهد، وأكثر الداخلين فيها هم ممن دخلوا حديثا في هذا الدين، وليس لهم الإدراك العميق والخيال الواسع لفهم موضوع كهذا الموضوع. ثم إن النصرانية ديانة عالمية، لم توجه لأمة خاصة من الأمم، وقد جاءت ككل الأديان بأحكام لا بد وأن يختلف الناس في فهمها، لاختلاف المدارك والثقافات، وهذا

<<  <  ج: ص:  >  >>