[الفصل السادس والخمسون بعد المئة: أولية الشعر الجاهلي]
[مدخل]
...
الفَصْلُ السَّادِسُ وَالْخَمْسُونَ بَعْدَ الْمَائَةِ: أولية الشعر الجاهلي
لا نملك نصوصًا جاهلية مدونة عن مبدأ الشعر عند العرب، وعن كيفية ظهوره وتطوره إلى بلوغه المرحلة التي وصلها عند ظهور الإسلام. ولم يعثر العلماء على شعر مدون بقلم جاهلي، ليكون لنا نبراسًا يعيننا في تكوين صورة عن ذلك الشعر وعن هيكله ومادته التي تكون منها. وكل ما نعرفه عن هذا الشعر مستمد من موارد إسلامية، أخذت علمها به من أفوه الرواة، فلما جاء التدوين دوّن ما وعته الذاكرة مما أخذته عن المتقدمين بالرواية، فثبت واستقر، بعد أن كان المروي عرضة للتغيير والتحريف كلما تنقل من لسان إلى لسان، ومن وقت إلى وقت.
وقد تعرض "الجاحظ" لموضوع قدم الشعر العربي وتأريخه، فقال:"وأما امرؤ القيس بن حجر، ومهلهل بن ربيعة ... فإذا استظهرنا الشعر، وجدنا له إلى أن جاء الله بالإسلام خمسين ومائة عام، وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمائتي عام"١. وذهب "عمر بن شبة" إلى أن "للشعر والشعراء أول لا يوقف عليه، وقد اختلف في ذلك العلماء، وادعت القبائل كل قبيلة لشاعرها أنه الأول. فادعت اليمانية لامرئ القيس، وبنو أسد لعبيد بن الأبرص، وتغلب لمهلهل، وبكر لعمرو بن قميئة والمرقش الأكبر، وإياد لأبي دؤاد ... وزعم بعضهم أن