والفارس فخر القبيلة؛ لأنه المدافع عنها في الحروب والمهاجم الكاسر للأعداء.
وهو أهم من الراجل في القتال، لما له من أثر في كسب النصر وفي إيقاع الرعب والفوضى في صفوف العدو. ولهذا فخرت القبائل بفرسانها، وفي كثرة الفرسان في القبيلة دلالة على عظمتها وقوتها. نظرًا لغلاء ثمن الفرس، ولأهميته في تطوير الحرب وفي توجيهها، وإنهائها في صالح من له أكبر عدد من الفرسان.
ومن حسن حظ القبيلة أن يكون بها عدد وافر من الفرسان، وعدد من الشعراء فالفارس فنان القبيلة في الحرب وفارسها في الطعان وحامي الذمار والعرض، والشاعر فارس الكلام، يؤجج نيران العواطف ويلهب جذوة الحماس في النفوس، ويدفع الفارس إلى الإقدام، وبذلك يساعد في كسب النصر لقبيلته، وفي الدفاع عن عرض القبيلة بسلاحه الموزون المقفى.
وقد حفظت ذاكرة أهل الأخبار أسماء جماعة من فرسان الجاهلية، دوّنت في كتبهم، فوصلت بفضل تدوينهم لها إلينا. وعلى رأس من دوّنوا أسماءهم في الشهرة وبعد الصيت:"عنترة بن شداد العبسي" الذي لا يزال الناس يضربون به المثل في الشجاعة. وهو أحد "أغربة العرب" وهم ثلاثة: أولهم هو، وثانيهم "خفاف" واسم أمه "ندبة"، وثالثهم "السليك" واسم أمه "السلكة"، وأم الثلاثة إماء سود. كانت أم "عنترة" أمة سوداء، اسمها "زبيبة"، فلما كبر أغار بعض أحياء العرب على قوم من "عبس"، فأصابوا منهم. فتبعهم العبسيون، فلحقوهم فقاتلوهم وفيهم عنترة. فقال له أبوه:"كر يا عنترة"، فقال:"العبد لا يحسن الكر إنما يحسن الحلاب والصر"، وذلك أن العرب في الجاهلية كانت إذا كان لأحدهم ولد من أمة استعبده، فعدّ "عنترة" من العبيد.