للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الحياة الليلية]

والحياة الليلية حياة هادئة على وتيرة واحدة، يأوي الناس إلى بيوتهم مع غروب الشمس في الغالب، أما وجهاء القوم، فقد كانوا يتسامرون في بيوتهم وفي مضاربهم، وذلك بأن يأتي أصدقاؤهم إليهم فيتحدثون معهم ويتذاكرون الأيام الماضية وما يقع من أحداث إلى ساعات من الليل ثم يعودون إلى بيوتهم. ويكون السمر في الليل خاصة، والسمر الظلمة. ولهذا كانوا يقسمون بالسمر والقمر.

أي بالظلمة والقمر. ثم أطلق السمر على السمر عامة في الليل أو في النهار١.

وقد صار هذا "السمر" أساسًا للقصص العربي وللأدب العربي والتاريخ الجاهلي. وعلى الرغم من أن طابع السمر -أي القص والتحدث والاتصالات إلى المسامر- لا يتفق مع الطابع التأريخي، إلا أنه موّن المؤرخين مع ذلك بشيء من أخبار أيامها ورجالها في صورة من الصور المعروفة عن القص. والعادة أن الذين يبرزون ويظهرون في رواية القصص هم أصحاب الألسنة، اللبقون الذين أوتوا مواهب خاصة، والذين يجيدون معرفة نفسيات من يحيط بهم للاستماع إلى قصصهم. فيحدثون السامعين إليهم بما سمعوه ممن تقدم عليهم أو من يعاصرهم من أخبار وحوادث مسليّة طريفة كان الجاهليون إذ ذاك يتشوقون إلى الاستماع إليها. ومن ذلك قصص الأيام والأبطال الشجعان الذين ساهموا فيها، وقد يكون المتكلم نفسه ممن شهد الأيام وقاتل فيها. وهذا النوع من السمر، لا يتقيد بالصدق وبالتعقل، كما أن المستمعين لا يهمهم فيه إذا كان معقولًا أو غير معقول.


١ تاج العروس "٣/ ٢٧٧"، "سمر".

<<  <  ج: ص:  >  >>