للنسب عند العرب شأن كبير، ولا يزال العربي يقيم له وزنًا، ولا سيما عربي البادية, فعلى نسب المرء في البادية تقوم حقوق الإنسان، بل حياته في الغالب. فنسب الإنسان، هو الذي يحميه، وهو الذي يحافظ على حقوقه ويردع الظالم عنه ويأخذ حق المظلوم منه.
وقد يبدو ذلك للمدني الأعجمي أمرًا غريبًا شاذًّا غير مألوف, ولكن هذا المدني نفسه يعمل بالنسب ويأخذ به، وإن كان في حدود ضيقة. فجنسيته هي نسبه، تحميه وتحفظ حقوقه, وليس نسب الأعرابي غير هذه الجنسية، يحتمي به؛ لأنه يصونه ويحفظ حقوقه ويدافع عنه. وهو مضطر إلى حفظه، وإلى عد آبائه وأجداده وذكر عشيرته وقبيلته؛ لأنه بذلك يسلم، ويحافظ على حياته، فإن أراد شخص الاعتداء عليه، عرف أن وراءه قومًا، يدافعون عنه ويأخذون بحقه من المعتدي عليه, وهو لذلك مضطر إلى حفظ نسبه والمحافظة عليه.
وأما كون الحضر أقل عناية بأنسابهم من أهل الوبر؛ فلأن الحاجة إلى النسب عندهم أقل من حاجة أهل الوبر إليها, فالأمن مستقر، ولدى الحضر في الغالب حكومات تأخذ بحق المعتدي عليهم من المعتدين. ثم إن مجال الاختلاط والامتزاج عندهم أكثر وأوسع من أهل البوادي وسكان الأرياف، وكلما كانت الحواضر قريبة من السواحل ومن بلاد الأعاجم، كان الاختلاط أوسع وأكثر، ولهذا