وللربيع مكانة خاصة في نفوس العرب، حتى صار في منزلة العيد عندهم.
ففيه يطيب الجو، ويرق الهواء، وتكسى الأرض بأكسية خضراء ويبسط منمقة مزركشة، تسحر مناظرها الألباب، تسير عليها الإبل بفخر وإعجاب، تقضم ما تجده فوقها من طعام. فتشبع وتسمن بعد فقر وجوع وضنك. وفيه يكثر مال العرب، ومال العرب إبلهم، وتكثر مواضي الحضر، من غنم وبقر.
وتكون سنة الربيع للعربي سنة يمن وبركة. وسنة انحباس الغيث وانقطاع المطر، سنة بؤس وشقاء.
ولا يفرح العربي بشيء فرحه بالغيث وبظهور الربيع، أي موسم اخضرار الأرض واكتسائها ببساط سندسي يبهر العين ويؤثر في النفس فيجعلها فرحة مستبشرة، فيخرج السادات إلى المرابع، يتلذذون هناك بمنظر الربيع وبرؤية أموالهم وهي فرحة مستبشرة ترعى فيه، فيزيد بذلك مالهم ويكثر لبن نوقهم وتنشط إبلهم في إنجاب الولد. ويتوجه سادات القبائل إلى المرابع الجيدة، التي يجود فيها الربيع، وليس في بلاد العرب مربع كالدهناء١. ويترك الملوك قصورهم على ما فيها من وسائل الراحة، للذهاب إلى البادية، للاستمتاع بما خلقته الطبيعة هناك، وبما أوجدته من صنعة متقنة وفن عجيب لا يضاهى. يبقون هناك أيامًا وأسابيع، يجددون فيها عهدهم بالبوادي وبما فيها من هواء صحيح سليم، يعطي الجسم نشاطًا، ويبعث فيه "اكسير" الحياة.