للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حياة الشبان]

ومن الشبان من كان يقضي وقته بالشراب، وبمصاحبة القيان، وهم أولاد اليسار والمجّان. وكان منهم من يأوي إلى منزل أحدهم فيعكفون على اللهو أو الشرب، لا يعبئون ولا يكترثون١ ومنهم شباب مكة قبل الإسلام. وكان منهم قوم مستهترون لم يبالوا بحرمة ولا بأحد، حتى إن شبابًا من شباب مكة سرق من خزانة الكعبة لينفق مما سرقه على شربه وقيانه. وقد عرف هؤلاء ب "الفتيان". وكانوا يقضون أوقاتهم بالشرب وبلبس الملابس النظيفة، وبالسماع إلى القيان كما عرفوا بالسخاء على من حولهم وعلى من يجتمع معهم من الفتيان. وكانوا شجعانًا، يخرجون إلى القنص والصيد. وقد أشار أهل الأخبار إلى أسماء بعض هؤلاء الفتيان٢.

وشباب الجاهلية مثل شباب أهل كل زمان، لا يختلفون عنهم بشيء، في تأنق بعض منهم وفي محاولته إظهار شبابه تجاه البنات. فكان شباب القرى والمدن ولا سيما الوضيئون منهم وأهل الجمال يتسكعون في الأسواق وفي مواضع التجمع، بل وحتى في المعابد ليعبثوا في كلامهم مع البنات وليتحدثوا إليهن، شأن أي شاب في هذه الدنيا بالنسبة إلى الشابات. وقد اضطر آباء وأقرباء بعض هؤلاء الشباب إلى تقريع أبنائهم لتجاسرهم على بنات الحي. حتى منع البعض من الشباب الجميل من التأنق في الملبس حتى لا يلفتوا إليهم أنظار البنات، فيثرن فيهم عاطفة الجموح نحو التشبب والحب.

وذكر "محمد بن حبيب" أسماء رجال من مكة كانوا يتعممون مخافة النساء على أنفسهم من جمالهم٣. ويظهر أنهم كانوا يرخون العمائم حتى تنزل على الوجه فتخفي معالمه، ولا يبدو عندئذ شيء من معالم جمال ذلك الشخص. ولم يذكر فيما إذا كانوا قد فعلوا ذلك من أنفسهم ضبطًا للنفس من الوقوع في غوى الشيطان، وتحت تأثير سحر العيون، أم أنهم أجبروا على ذلك إجبارًا، على


١ المحبر "١٧٣ وما بعدها"، تاج العروس "١٠/ ٢٧٥ وما بعدها"، "فتى" تاج العروس "٩/ ٣٤١"، "مجن".
٢ المحبر "١٧٣ وما بعدها".
٣ المحبر "ص٢٣٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>