لا أملك نصًّا جاهليًّا فيه أخبار عن الطرق التي كان يسلكها الجاهليون في تنقلاتهم من مكان إلى مكان؛ لأغراض خاصة، أو للرعي, أو للاتجار، وما سأذكره عن الطرق مأخوذ من الموارد الإسلامية فقط. وهي موارد تعرضت لموضوع "المسالك" والطرق التي كان يسلكها الحجاج والمسافرون والتجار في أيام الخلافة، داخل أرض الخلافة وخارجها. وعلى رأس هذه الموارد كتب "المسالك والممالك"، وبقية كتب "الجغرافيا" والسياحات ووصف جزيرة العرب. ففي هذه الموارد وصف للمسالك والطرق ولسكك البريد التي كانت في بلاد العرب, وهي وإن كانت طرقا إسلامية، إلا أنها بنيت على الطرق الجاهلية القديمة في الأغلب، وما فعله المسلمون هو أنهم اختصروا بعضًا منها، أو أقاموا مستوطنات جديدة عليها، أو حفروا آبارًا بين منازلها التي كانت متباعدة، بدليل أن المنازل والمواضع الجاهلية التي ترد أسماؤها في الشعر الجاهلي ترد كذلك في وصف الإسلاميين لطرق جزيرة العرب على النحو الوارد في ذلك الشعر، أو في أخبار أيام العرب, أو في كتب السير والتواريخ.
ولهذا فسيكون اعتمادي في وصف طرق القوافل عند أهل الجاهلية، على هذه الموارد الإسلامية، مع العلم بأن بعض المسالك الجاهلية قد ماتت وذهب أثرها، وأن بعضًا منها بقي على حاله، وأن بعضًا من الطرق المسلوكة في الوقت الحاضر، والتي مهدت وعمرت تعميرًا حديثًا بالوسائل الفنية المعروفة في هذا اليوم، هي طرق