للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[وطن الساميين]

وتساءل العلماء الباحثون في الأجناس البشرية: من أين جاء الساميون الأول، آباء الشعوب السامية؟ وأين كان موطنهم الأول وبيتهم القديم، الذي ضاق بهم في الدهر الأول، فغادروه إلى بيوت أخرى؟ أما أجوبتهم، فجاءت متباينة غير متفقة لعدم اهتدائهم حتى الآن إلى دليل مادي يشير إلى ذلك الوطن، أو يؤيد نظرية وجود مثل هذا الوطن، فقامت آراؤهم على نظريات وفرضيات، وبحوث لغوية وعلى آراء مستمدة من الروايات الواردة في التوراة عن أصل البشر، وعن أبناء نوح، والأماكن التي حلّ بها هؤلاء الأبناء وأحفادهم ثم أحفاد أحفادهم، وهكذا على نحو ما تصورته مخيلة العبرانيين. فرأى نفر منهم أن أرض بابل، كانت المهد الأول للساميين، ورأى آخرون أن جزيرة العرب هي المهد الأول لأبناء سام، وخصص فريق آخر موطنًا معينًا من جزيرة العرب، ليكون وطن سام وأبنائه الأُوَل، وذهب قسم إلى إفريقية فاختارها لتكون ذلك الوطن، لما لاحظه من وجود صلة بين اللغات السامية والحامية، ورأى قوم في أرض "الأموريين" الوطن الصالح لأن يكون أرض أبي الساميين، على حين ذهب قوم آخرون إلى تفضيل أرض "أرمينية" على تلك الأوطان المذكورة. وهكذا انقسموا وتشعّبوا في موضوع اختيار الوطن السامي، ولكل حجج وبراهين.

وحتى القائلون بنظرية من هذه النظريات وبرأي من هذه الآراء، هم قَلِقُون غير مستقرين في نظرياتهم هذه، فتراهم يُغَيّرون فيها ويبدلون. يفترضون وطنًا أصليًّا لجدّ الساميين، ثم يفترضون وطنًا ثانيًا يزعمون أن قدماء الساميين كانوا قد تحوّلوا من الوطن الأول إليه، فصار الموطن الأقدم لهم. فقد ذهب "فون كريمر" مثلًا، وهو عالم ألماني إلى أن إقليم "بابل" هو موطن الساميين الأُوَل، وذلك لوجود ألفاظ عديدة لمسمّيات زراعية وحيوية "حياتية" أخرى تشترك فيها أكثر اللغات السامية المعروفة، وهي مسميات لأمور هي من صميم

<<  <  ج: ص:  >  >>