للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[العرب العاربة والعرب المستعربة]

أما مصطلح "العرب العاربة" و"العرب المستعربة"، فهما على ما يتبين من روايات علماء اللغة والأخبار من المصطلحات القديمة التي تعود إلى الجاهلية، ولكننا لو درسنا تلك الروايات خرجنا منها، ونحن على يقين بأن الجاهليين لم يطلقوهما بالمعنى الذي ذهب إليه الإسلاميون، بل قصدوا بهما القبائل البعيدة عن أرض الحضارة، والقبائل القريبة منها، فقد عرفت القبائل النازلة ببلاد الشام والساكنة في أطراف الإمبراطورية البيزنطية بـ"المستعربة". "والمستعربة" مصطلح أطلق على هذه القبائل وعلى القبائل النازلة في سيف العراق من حدود نهر الفرات إلى بادية الشام، فهو يشمل إذًا القبائل النازلة على طرفي الهلال الخصيب وفي طرفي القوس الذي يحيط بحدود الإمبراطوريتين, ومن المستعربة غسان وإياد وتنوخ١. وقد فضلت غالبية هذه المستعربة السكنى في أطراف المدن في مواضع قريبة من البوادي والصحاري، عرفت عندهم بـ"الحاضر"، فكان في أكثر مدن بلاد الشام حاضر يقيم به العرب من تنوخ ومن غير تنوخ٢.

وقد وجدت في تأريخ الطبري خبرًا زعم أنه جرى بين "خالد بن الوليد"، وبين "عدي بن عدي بن زيد العبادي"، يفهم منه أن العرب: عرب عاربة وأخرى متعربة. وقد جرى بينهما على هذا النحو: "قال خالد: ويحكم, ما أنتم؟ أعرب؟ فما تنقمون من العرب؟ أم عجم، فما تنقمون من الإنصاف والعدل؟ فقال له عدي: بل عرب عاربة وأخرى متعربة. فقال: لو كنتم كما تقولون لم تحادّونا وتكرهوا أمرنا، فقال له عدي: ليدلك على ما نقول أنه ليس لنا لسان إلا بالعربية"٣. فيفهم من هذا الحديث أن العرب: عرب عاربة وعرب متعربة, وهم أناس تعربوا فصاروا عربًا. وهو كلام معقول


١ البلاذري "١٧١".
٢ البلاذري "١٨٠"، و"الحاضر: الحي العظيم أو القوم ... حاضر طيء"، تاج العروس "٣/ ١٤٨".
٣ الطبري "٣/ ٣٦١".

<<  <  ج: ص:  >  >>