للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عادات وأعراف]

ويظهر من بعض الأخبار أن الوأد لم يكن عن إملاق فحسب، بل كان لسبب آخر أراه متصلًا بعقيدة ودين. فقد ذكر أن وفد "جعفى"، قال لرسول الله: يا رسول الله! إن أمنا مُليكة بنت الحلو، كانت تفك العاني وتطعم البائس وترحم المسكين، وإنها ماتت وقد وأدت بنية لها صغيرة, فما حالها؟ قال: "الوائدة والموءودة في النار" ١. فلم يكن الوأد هنا بسبب الفقر والإملاق، بل لسبب آخر، قد يكون له صلة بدين أو بعرف اجتماعًا, ويلاحظ أن "جعفى" كانوا يحرمون القلب في الجاهلية ولا يأكلونه. ولما قدم وفدهم إلى يثرب، قال رسول الله: "بلغني أنكم لا تأكلون القلب؟ " قال: نعم. قال: "فإنه لا يكمل إسلامكم إلا بأكله". ودعا له بقلب فشوي، ثم ناوله أحد رجال الوفد، فلما أخذه أرعدت يداه، فقال له رسول الله: "كُلْهُ"، فأكله وقال:

على أني أكلت القلب كرهًا ... وترعد حين مسته بناني٢

وقد حمل الأعشى على أولئك الذين ينامون وهم متخمون ملاء البطون، وجيرانهم جياع يتضورون من الجوع، إذ يقول:

تبيتون في المشتى ملاء بطونكم ... وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا

وفي هذا المعنى يقول بشر بن المغيرة:

وكلهم قد نال شبعًا لبطنه ... وشبع الفتى لؤم إذا جاع صاحبه

ولعل هذا الشعور هو الذي حمل "عروة بن الورد" على أن يكون سيد الصعاليك ومجمعهم ومغيثهم، حتى قيل له: "عروة الصعاليك"؛ لأنه كان يجمع الصعاليك في حظيرة فيرزقهم مما يغنمه٣.

وفي القرآن الكريم أن "ملأ" نوح، وهم الأعزة أصحاب الحول والطول،


١ ابن سعد، الطبقات "١/ ٣٢٥".
٢ ابن سعد، الطبقات "١/ ٣٢٤ ما بعدها".
٣ تاج العروس "٧/ ١٥٣"، "صعلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>