للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولون لنوح: {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا} ١، وفيه أنهم قالوا له: {أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} ٢. وقول ملأ نوح هذا، هو تعبير عن رأي ملأ قريش الذين كانوا يقولون: لو كان محمد رسولا حقا، لكان رجلا من رجال قريش أو الطائف الأغنياء أصحاب المال، فالرئاسة ولو كانت نبوة لا تكون إلا في رجل عظيم: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} ٣. وكانوا يسخرون من المسلمين ويستهزئون بهم حينما يرونهم خلف الرسول يدخلون المسجد الحرام، وهم من الأراذل الضعفاء والفقراء، فيضحكون ويقولون: جاءكم ملوك الأرض كسرى وهرقل, فدين يكون أتباعه ومعتنقوه من الرقيق والضعفاء دين ليس له شأن، ولا يمكن أن يكون مقبولًا حتى يكون أتباعه من الأغنياء ملأ القوم.

وقضى أغنياء مكة وسادتها لياليهم في مجالسهم ونواديهم، وعادتهم أنهم كانوا يتنادمون، يشربون ويسمعون القيان، ويتنادرون ويسمعون القصص والنكات، ثم يعودون إلى بيوتهم، ونجد في كتب أهل الأخبار أسماء ندماء قريش.

وأكثر الأغنياء من التدهن، فالتدهن من النعيم، وهم يتدهنون بالدهون الجيدة المطيبة. ويقال لكثرة التدهن: "التورن"٤, و"التودن": كثرة التدهين والتنعيم٥.

وفي مقابل هذه الطبقة الغنية، كان السواد فقيرًا، ومنهم معدمون تمامًا لا يملكون شيئًا، إذا عجزوا عن الحصول على قوت، عمدوا إلى الشجر فأكلوا ورقه أو ثمره إن كان بريًّا لا يملكه أحد، أو إلى الأعشاب فأكلوها -ورد في حديث "عتبة بن غزوان": ما لنا طعام إلا ورق البشام٦- أو إلى "العلهز" فأكلوه. وهو طعام من الدم والوبر كان يتخذ في أيام المجاعة، وذلك أن يخلط الدم بأوبار الإبل ثم يشوى في النار، قيل: وكانوا يخلطون فيه القردان، وذكر أنه الصوف ينقش ويشرب بالدماء ويشوى ويؤكل. ورد في حديث "عكرمة":


١ سورة هود، الرقم ١١، الآية ٢٧.
٢ سورة الشعراء، الرقم ٢٦، الآية ١١١.
٣ الزخرف، الرقم ٤٣، الآية ٣١.
٤ تاج العروس "٩/ ٣٦٠"، "التورن".
٥ تاج العروس "٩/ ٣٦٠"، "ودن".
٦ تاج العروس "٨/ ٢٠٣"، "بشم".

<<  <  ج: ص:  >  >>