للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعمدة والأسطوانات:

ومن الرخام أقيمت أعمدة جميلة كسيت تيجانها بالنقوش وبالزخرف الأخاذ, وقد تمكن المعماريون من وضع الصخور بعضها فوق بعض وضعًا فنيًّا في غاية الدقة جعلتها تظهر وكأنها قطعة واحدة. فقد صقلوا الصخور صقلًا تامًّا بدقة وعناية. وجعلوا نهايتها متطابقة تمامًا, فإذا جلست بعضها فوق بعض, انطبقت على بعضها, وبدت وكأنها قطعة واحدة يصعب التمييز بين مواضع انطباقها. وقد نقروا أحيانًا في أواسط الرخام نُقرًا عميقة, ثبّتوا في داخلها أوتادًا من الرصاص أو الحديد, لتربط بين قطع الرخام, ولتكون لها سندًا وقوة, فلا تسقط. وقد وجدت مثل هذه الأوتاد بين الصخور المكونة لسد مأرب١, وكذلك في قصر "غمدان"٢.

وأقيمت الأعمدة على قواعد تحمل الصخور الثقيلة المؤلفة منها تربط بينها أوتاد مربعة في الغالب, وتكون القواعد أكبر حجمًا من العمود ليستقر ثقل الأعمدة عليها, ولتكون أثبت على سطح الأرض. وتقوى هذه القواعد بصب الرصاص عليها. وقد وجد أن المعماري العربي الجنوبي تعمد في جعل الجدران المرتفعة ميّالة إلى الجدار الداخلي كلما ارتفع البناء, بمعنى أنه يجعل الجدران الخارجية أقرب إلى واجهة الجدران الداخلية في أعالي البناء من القواعد, فتكون المسافة عندئذ بين الجدارين عند السقف أقرب وأقصر منها عند القاعدة٣. ويظهر أنه تعمد ذلك لأغراض هندسية واقتصادية, تستدعيها المحافظة على الحجارة من عبث الطبيعة بها وتقوية لها, وتخفيفًا عنها, واقتصادًا في مواد البناء.

وأقيمت بعض الأعمدة على أرض البناء رأسًا من دون قاعدة بارزة يرتكز عليها بمعنى أن المعمار لم يجعل قاعدة العمود أوسع وأعرض من هيكل المجموع, فيظهر العمود وكأنه قد نبت من الأرض.

وقد عثر المنقبون على أنواع متعددة من الأعمدة, تيجان بعضها مربعة أو


١ "Glaser, Reise, S. ٦٠, Hand. Der Alt., I, S. ١٤٦.".
٢ "D. H. Müller, Burgen und Schl?sser, I, S. ٣٤٥.".
٣ "Hand-der altar. alter., I, S. ١٤٦.".

<<  <  ج: ص:  >  >>