للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفصل الرابع والخمسون بعد المئة: تنقيح الشعر والدواوين]

[مدخل]

...

الفَصْلُ الرَّابعُ والخمسونَ بَعْدَ المائةِ: تَنقيحُ الشِّعْرِ والدَّواوينُ

والذي يطالع كتب الأدب والأخبار، ويقرأ ما ورد فيها عن الشعراء الجاهليين، يخرج منها بانطباع خلاصته أن أكثر شعراء الجاهلية، لم يكونوا يهذبون شعرهم، ولم يكونوا يثقِّفونه، ولم يكونوا يُجْرون عليه تحويرًا أو تغييرًا أو تعديلا، بعد إنشادهم له، وأن أغلبهم كان يقول شعره ارتجالا من غير تحضير سابق ولا تهيئة، فهو من عفو الخاطر. جرت على ذلك سُنّة الشعراء في الجاهلية، فكان شاعرهم يرتجل شعره حسب الظروف والمناسبات.

وتصدق دعوى أهل الأخبار هذه في شعر المناسبات وفي المفاجآت، أي في الحالات التي لا يكون الشاعر فيها على علم مسبق بأنه سيقول فيها شيئًا من الشعر فتضطره المناسبة إلى قول شيء منه، أما في الحالات الأخرى، فإن دعواهم هذه لا يمكن قبولها، بسبب أننا نجدهم يذكرون أن الشاعر كان يهيِّئ شعره قبل إلقائه، وأنه كان إذا نظم يحفظه رواته، أو يدونه على صحيفة، وقد ينقح فيه ويجوِّد، وأن من الشعراء من كان يحرص على ألا يذيع شعره إلا بعد أمد، وإلا بعد أن يعرضه على خاصته ليروا رأيهم فيه، فيغير فيه ويبدل، فإذا سمع آراءهم وملاحظاتهم ووجدها وجيهة، أخذ بها، وصقل شعره بموجبها، وعندئذٍ يذيعه ويعطيه راويته لينشره بين الناس.

جاء في "طبقات الشعراء" أن الرسول سأل عبد الله بن رواحة: "كيف تقول الشعر إذا قلت؟ " فأجابه: "أنظر في ذلك ثم أقول". فأمره أن

<<  <  ج: ص:  >  >>