للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول شعرًا تقتضيه الساعة، وأخذ ينظر إليه: فانبعث عبد الله يقول شعرًا، ثم قال: "ولم أكن أعددت شيئا"١ وجاء في كتاب "الشعر والشعراء" عن الحارث بن حِلِّزة، وهو القائل:

آذنتنا ببينها أسماءُ ... ربَّ ثاوٍ يمل منه الثواء

وقال إنه ارتجلها بين يدي عمرو بن هند ارتجالا" ثم قال: "قال الأصمعي: قد أقوى الحارث بن حِلِّزة في قصيدته التي ارتجلها، قال:

فملكنا بذلك الناس إذ ما ... ملك المنذر بن ماء السماء

قال أبو محمد: ولن يضر ذلك في هذه القصيدة، لأنه ارتجلها فكانت كالخطبة"٢. فاعتذر عن الإقواء بالارتجال، ومعنى هذا أنه لو كان قد هيأها وأعدها من قبل، كما هي العادة لما وقع في الإقواء.

وفي جواب عبد الله بن رواحة "لم أكن أعددت شيئًا"، وفي اعتذار المعتذر عن إقواء الحارث بن حِلِّزة، دلالة بيِّنة على أن الشعراء كانوا يهيئون شعرهم وينقحونه قبل إنشاده، وأنهم كانوا لا يقولون شيئًا منه إلى بعد أن يكون قد اختمر في رءوسهم ورضوا عنه، حتى يكون سديدًا، اللهم إلا في المناسبات وفي الظروف الحرجة التي تهز الشاعر فتحمله على نظم الشعر.

وورد أن الحارث بن حِلِّزة اليشكري، قال لقومه، "وهو رئيس بكر بن وائل: إني قد قلت قصيدة، فمن قام بها ظفر بحجته وفلج على خصمه، فقروَّاها ناسًا منهم، فلما قاموا بين يديه لم يرضهم، فحين علم أنه لا يقوم بها أحد مقامه، قال لهم: والله إني لأكره أن آتي الملك فيكلمني من وراء سبعة ستور، وينضح أثري بالماء إذا انصرفت عنه، وكان لبرص كان به، غير أني لا أرى أحدًا يقوم بها مقامي، وأنا محتمل ذلك لكم"٣، مما يدل على أنه كان قد أعدّها ونظمها بعد تروٍّ ودراسة، ثم ألقاها على الملك، مع أننا


١ طبقات "٥٥"، شرح شواهد، للسيوطي "١/ ٢٩٣"، العمدة "١/ ٢١٠".
٢ الشِّعْرُ والشُّعَرَاءُ "١/ ١٢٧ وما بعدها"، العمدة "١/ ١٩٠".
٣ الخزانة "١/ ٥١٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>