للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاجتمعت هاشم وزهرة وتيم بن مرة في دار عبد الله بن جدعان، وتعاقدوا وتعاهدوا ليكونن يدًا واحدة مع المظلوم على الظالم حتى يُؤدَّى إليه حقه. وعرف حلفهم هذا بحلف الفضول، ثم مشوا إلى "العاصي بن وائل"، فانتزعوا منه سلعة الزبيدي فدفعوها إليه١. فكان حلف الفضول نتيجة لما كان يقع بمكة من اعتداء على حقوق وأموال الغرباء والمستضعفين من الناس.

وذكر أن منهم من كان يأكل أجر العامل الأجير، ومنهم من كان يشتط على عبده، فيشغله في أشغال صعبة، ثم يطلب منه أجره، وقد يستقل أجره فيضربه ليحمله على أن يشتغل له أكثر من شغله، ليجيء إليه بمال زائد. ومنهم من كان يحمل إماءه على البغاء ليأخذ أجرهن، كما أشير إلى ذلك في القرآن الكريم، وكما أشرت إلى ذلك في مواضع أخرى من هذا الكتاب. ومنهم من كان لا يبالي للحصول على المال بسلوك أي سبيل يؤدي إليه.

وهي صورة تعارض ما نقرؤه في أخبار أهل الأخبار عن تعاطف أغنياء مكة مع فقرائهم، وعن إخراجهم جزءًا من أموالهم لمساعدة البائس والفقير والصعلوك والغريب، حتى صار الفقير عندهم كالكافي وصاروا بأجمعهم تجارًا خلطاء إلى غير ذلك من نعوت وأوصاف٢، وكما جاء في شعر ينسب إلى "مطرود بن كعب الخزاعي"٣, وما ذكروه عن الذادة الذين أخذوا على أنفسهم الذود عن الضعيف والمظلوم.

ونجد أناسًا بين الأعراب كانوا يشعرون بما كان يعانيه الفقراء من شدة الفقر، ومن شدة ما أصاب بعضهم من إملاق، ومن اضطرار بعضهم إلى وأد بناته من شدة الفقر، كما أشير إلى ذلك في القرآن الكريم، وهذا مما حمل بعض أصحاب القلوب الرحيمة الشفيقة على ودي البنات، وحمل مئونتهن وبذل الرعاية لهن حتى يكبرن فيتزوجن. وقد ذكر أن من هؤلاء الذين وهبوا الشعور بالمسئولية الإنسانية وبالشفقة والرحمة والحنان: "صعصعة بن ناجية بن عقال"، فقد أحيا الموءودات فبعث الرسول, وعنده مائة جارية وأربع جوارٍ أخذهن من آبائهن لئلا يوأدن٤.


١ ابن هشام، سيرة "١/ ٩٠ وما بعدها"، "حاشية على الروض الأنف"، الروض الأنف "١/ ٩٠ وما بعدها".
٢ ثمار القلوب "١٠ وما بعدها".
٣ الروض الأنف "١/ ١١٧".
٤ المحبر "١٤١".

<<  <  ج: ص:  >  >>