للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقيرًا، ولا يعطفون على يتيم، بل كانوا يأكلون أموال اليتامى ويقهرونهم، ولا يعطونهم حقوقهم١. إذا جاءهم سائل انتهروه وطردوه طردًا قبيحًا، وإذا طلب محروم منهم عونًا أبعدوه عنهم, وإذا وزن بائعهم أنقص في الميزان، وإذا كال قصر في الكيل: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ، أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} ٢.

ونجد هذه الصور البشعة المعبرة عن جشع بعض الأغنياء في كتب السير والحديث والأخبار أيضا، إذ صورت بعضها بعضهم وقد اعتدى على أموال رجل غريب جاء يتاجر بمكة، فتلقاه تاجر من تجارها، عامله على سلعة له، ثم بايعه، فلما قبضها ماطله الثمن، ثم أكله. هذا "أبو جهل" ابتاع إبلًا لرجل من "إراش" "إراشة" بمكة، فمطله بأثمانها، فأقبل "الإراشي" حتى وقف على نادٍ من قريش، ورسول الله في ناحية من المسجد جالس, فقال: يا معشر قريش, من رجل يؤديني على أبي الحكم بن هشام، فإني رجل غريب ابن سبيل, وقد غلبني على حقي. فقال له أهل ذلك المجلس: أترى ذلك الرجل الجالس -يشيرون إلى رسول الله، وهم يهزءون به لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة- اذهب إليه فإنه يؤديك عليه. فذهب به إلى أبي جهل، وأخذ منه حقه، وأعاده عليه٣. وهذا رجل من "زبيد" قدم مكة ببضاعة فاشتراها منه "العاصي بن وائل"، وكان ذا قدر بمكة وشرف فحبس عنه حقه، فاستعدى عليه الزبيدي الأحلاف، فأبوا أن يعينوه على "العاصي بن وائل" وزبروه. فلما رأى الزبيدي الشر, أوفى على أبي قبيس وقريش في أنديتهم، فصاح بأعلى صوته:

يا آل فهر لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدار والنفر

ومحرم أشعث لم يقضِ عمرته ... يا للرجال وبين الحجر والحجر

إن الحرام لمن تمت كرامته ... ولا حرام لثوب الفاجر الغدر


١ الأنعام، الرقم ٦، الآية ١٥٢، الإسراء، الرقم ١٧، الآية ٣٤، الفجر، الرقم ٨٩، الآية ١٧، الضحى، الرقم ٩٣، الآية ٩، ومواضع أخرى، المعجم المفهرس "٧٧٠".
٢ الرحمن، الآية ٩، المطففين، الآية ١ وما بعدها، تفسير الطبري "٣٠/ ٥٧ وما بعدها"، تفسير النيسابوري "٣٠/ ٤٤"، "حاشية على تفسير الطبري".
٣ ابن هشام، سيرة "١/ ٢٣٧ وما بعدها"، "حاشية على الروض الأنف".

<<  <  ج: ص:  >  >>