للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا نجد للعرب إلهًا قوميًّا خاصًّا بهم كالذي نجده عند العبرانيين من تعلقهم بـ"يهوه"، وعدهم إياه إلهًا خاصًّا بإسرائيل. فقد صار هذا الإله إله جميع قبائل إسرائيل ويهوذا. أما العرب فقد كانوا يعبدون جملة آلهة: كل قبيلة لها إله خاص بها وآلهة أخرى، ولم يكن لها إله واحد له اسم واحد يعبده جميع العرب. والظاهر أن القبائل الساكنة في الحجاز ونجد العراق والشأم، صارت قبيل الإسلام تتنكر لأصنامها العديدة، وتأخذ بالتوحيد وبالاعتقاد بإله واحد هو الله، وهو الذي نجده في هذا الشعر الجاهلي الذي هو حاصل تغريد شعراء قبائل عديدة مما يدل على أن قبائل أولئك الشعراء دانوا بالاعتقاد بوجود ذلك الإله فوق الأصنام والأوثان، وقد توجت هذه العقيدة بتاج النصر في الإسلام. غير أن "الله" في الإسلام يختلف عن الله الجاهليين. فالله هو إله العالمين، إله جميع البشر على اختلافهم. ليس له شريك من أصنام وأوثان.

أما الله الجاهليين، فهو رب الأرباب، وإله الآلهة، يسمو فوق آلهة القبائل أي آلهة القبيلة الواحدة. ولهذا ذكر في شعر شعراء مختلف القبائل؛ لأنه لا يختص بقبيلة واحدة.

ويقال لما يعبد من دون الله: الأنداد. وفي كتاب النبي لأكيدر: وخلع الأنداد والأصنام. والند: مثل الشيء والنظير. وفي التنزيل: واتخذوا من دون الله أندادًا، أي ما كانوا يتخذونه آلهة من دون الله١.

والله إله ذكر. وكيف لا يتصور الإنسان إلهه ذكرًا، والذكر هو قوي مقتدر بخلاف الأنثى! وحيث إن الله هو قوي ومصدر القوة والخلق، فلا بد وأن يكون ذكرًا في عقلية تلك الأيام، ولا بد من التعبير عنه بصيغ التذكير. كما يلاحظ أن الجاهليين قد تصوروه واحدًا، فلم يخاطبوه بصيغة الجمع، مما يفهم منه التعدد.

ولم يتطرق الشعر الجاهلي إلى موضوع وجود إلهة أي أنثى تكون زوجًا له. ولم يشر القرآن الكريم إلى اعتقاد الجاهليين بوجود زوجة له. فهو في نظرهم إذن إله واحد متفرد لا يشاركه مشارك في حياته. وإذ كان الله واحدًا أحدًا أعزب، فلا يمكن أن يكون له ولد. ولكن القرآن الكريم يشير إلى اعتقاد الجاهليين بوجود


١ اللسان "٣/ ٤٢٠"، "ندد".

<<  <  ج: ص:  >  >>