للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكتوب، وألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتال، فحفظوا أقل ذلك، وذهب عنهم كثير"١. "قال أبو عمرو بن العلاء: ما انتهى إليكم مما قالت العرب إلا أقله ولو جاءكم وافرًا لجاءكم علم وشعر كثير"٢.

ومعنى هذا أن الشعر الجاهلي لم يكن مدونًا، وإنما كان محفوظًا في الصدور، وقد ورد رواية باللسان، فكانوا يتلونه حفظًا لا عن صحيفة أو كتاب، ويؤيد ذلك ما ورد في الأخبار من أن بني أمية، وقد كانوا شغوفين جدًّا بالشعر القديم، ربما اختلف الرجلان منهم في بيت شعر، فيرسلان راكبًا إلى قتادة يسأله، عن خبر، أو نسب، أو شعر، وكان قتادة أجمع الناس، ولقد قدم عليه رجل من عند بعض أولاد الخلفاء من بني مروان، فقال لقتادة: من قتل عمرًا وعامرًا التغلبيين يوم قضة؟ فقال: قتلهما جحدر بن ضبعية بن قيس بن ثعلبة". قال فشخص بها ثم عاد إليه. فقال: أجل قتلهما جحدر، ولكن جميعًا؟ فقال: اعتوراه فطعن هذا بالسنان، وهذا بالزج فعادى بينهما٣. وعلى ما في هذا الخبر من أثر الصنعة والتكلف، فإن فيه دلالة على شغف الأمويين بسماع أخبار الأيام الماضية، وبعدم وجود مدونات في ذلك الوقت، تضم الشعر والأخبار والنسب، لذلك، كانوا يرسلون إلى خاصتهم ومن يرون فيه العلم بهذا الأمور للاستفسار منهم عما يريدون الوقوف عليه.

ويؤيد ذلك أيضًا ما ورد من أن الرسول كان إذا أراد سماع شعر شاعر، سأل من كان في حضرته من يحفظ من شعر فلان؟ فينشده عليه من قد يكون حافظًا له، ثم ما يروى من أن الصحابة كانوا يحفظون الشعر، ومن أنهم كانوا إذا أرادوا الوقوف على شعر شاعر لم يحفظوا شعره، سألوا غيرهم ممن يحفظه عنه. ولم نسمع في الأخبار، أن أحدًا من الصحابة، كان يملك ديوانًا، أو كتابا فيه شعر، أو خبر، أو نسب، وأنهم كانوا يرجعون إلى المدونات، في مثل هذه الحالات.

ولكن ما ذهبنا إليه من عدم وجود تدوين للشعر الجاهلي ولأخبار الجاهلية،


١ المزهر "٢/ ٤٧٣ وما بعدها"، "ذهاب الشعر وسقوطه"
٢ المزهر "٢/ ٤٧٤"، "ذهاب الشعر وسقوطه"
٣ العسكري "التصحيف والتحريف" "٤"، مصادر الشعر الجاهلي "١٩٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>