للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما يذهب الأكثرون إلى ذلك. وأما إذا أخذنا برواية من قال من الرواة وأهل الأخبار من أن عام الفيل قد كان لاثنتين وأربعين سنة من ملك "أنو شروان"، فيكون هذا العام قد وقع في حوالي السنة "٥٧٣" للميلاد١ وهو رقم قريب من الرقم الذي ذهب إليه أكثر المستشرقين حين حولوا ما ذكره أهل الأخبار عن سنة ولادة الرسول إلى التقويم الميلادي.

وقد ورد ذكر هذا الحديث في القرآن الكريم: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} ٢؟ وقد خاطبت هذه الآيات الرسول بأن قريشًا سوف تخيب وتحل بها الهزيمة، كما حلت بأصحاب الفيل، وأصحاب الفيل أعظم منهم قوة وأشد بطشًا، وهم لا شيء تجاههم، وفيها تذكير لقريش لما حل بالحبش، وما كان عهد الحبش عنهم ببعيد.

وينسب الأخباريون حملة أبرهة على مكة إلى تدنيس رجل من كنانة "القليس" التي بناها أبرهة في اليمن، لتكون محجة للناس. فلما بلغ أبرهة خبر التدنيس كما يقولون، عزم على السير إلى مكة لهدم الكعبة، فسار ومعه جيش كبير من الحبش وأهل اليمن، وهو مصمم على دكها دكًّا، وصرف الناس عن الحج إليها إلى الأبد. فلما وصل، هلك معظم جيشه، فاضطر إلى العودة إلى اليمن خائبًا مدحورًا٣.

ويذكر أهل الأخبار أن الرجل الذي دنس القليس، هو من النسأة أحد بني فقيم، ثم أحد بني مالك بن كنانة. وقد غضب لما رآه من شأن تلك الكنيسة، ومن عزم أبرهة على صرف حاج العرب إليها، ومن مبالغته في الدعاية لها، ففعل ما فعل٤.


١ تفسير القرطبي "٢٠/ ١٩٤".
٢ سورة الفيل، الرقم ١٠٥، تفسير الطبري "٣٠/ ١٩٣"، "بولاق"، القرطبي "٢٠/١٨٧ وما بعدها".
٣ الروض الأنف "١/ ٤٠ وما بعدها"، تفسير القرطبي "٢٠/ ١٨٨"، الأزرقي "١/ ٩ وما بعدها"، "خياط".
٤ الطبري "٣/ ١٣٠"، تاج العروس "٩/ ١٤"، الكشاف "٤/ ٢٣٣"، تفسير الطبري "٣٠/ ١٦٧"، تفسير النيسابوري "٣٠/ ١٩٣"، "حاشية على تفسير الطبري".

<<  <  ج: ص:  >  >>