الحماية المختلفة لحماية أرضها منهم، فبنت المسالح ووضعت الحرس في المواضع المشرفة على البوادي الممسكة بعنان طرقها، لمراقبة القادم والخارج ولإبلاغ رجال الأمن بدنو الخطر، وحذرت من الأعراب، فأشرفت على حركاتهم وسكناتهم خشية انتهازها فرص الضعف، فتعبث على عادتها بالأمن، وقد أنشأ الرومان واليونان بركًا واتخذوا صهاريج لخزن مياه الأمطار ليستفيد منها الأعراب وليجدوا فيها ما يحتاجون إليه، فلا يتوغلوا عميقًا في بلاد الشأم، كما أقاموا حصونًا في أطراف البادية لمراقبة حركات الأعراب.
وهكذا أمن حكام الشأم من خطر الأعراب، بعد أن اتبعوا معهم سياسة الترضية والتهدئة للاستفادة منهم في حفظ الحدود، وأقام قسم من الأعراب في المواضع التي تتوافر فيها المياه، وزرعوا، واشتغلوا ببعض الحرف مثل غزل الأصواف ونسجها، والتوسط في التجارة بين الأعراب وسكان المدن والقرى البعيدة عن البادية من بلاد الشأم، وزرع الحبوب وأشجار الزيتون والكروم. واستفادوا من هذا الحاصل الزراعي ببيعه للأعراب المحتاجين إليه.
ولا حاجة بي إلى الإشارة إلى أثر المراعي في حياة جزيرة العرب، وفي حياة الأعراب بصورة خاصة. فعلى المراعي تتوقف حياة الماشية عماد الثروة والمال لأهل البادية، وهي من أهم المشكلات العويصة بالنسبة إليهم وإلى الحكومات حتى الآن. والأعرابي ومعه ماشيته وراء المراعي يفتش عنها في كل مكان، وينتقل إليها ليجد فيها الكلأ لماشيته. وسبب هذه المشكلة هو قلة وجود الماء في جزيرة العرب، وقلة الأمطار وانحصارها في مواسم ضيقة لا تمتد طويلًا، وانحباسها في بعض السنين، مما يسبب قصر زمن الرعي، وجفاف الكلأ والتأثير في حياة الماشية بحيث تتعرض للهلاك والموت، وهذا مما يحمل القبائل على التنقل من مكان إلى مكان، فتتزاحم وتتطاحن للاستيلاء على المراعي.