للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأخباري في عرف ذلك اليوم وقبل أن ينتشر التأليف وتتصنف المعارف، هو من يروي الأخبار، تمييزًا له عن الآخرين الذين اشتغلوا بالنسب؛ فعُرف أحدهم بـ "النسابة"، وقيل عن أحدهم "أحد النسابين" أو "وكان ناسبًا"١. أو بالتفسير أو برواية الشعر وما شاكل ذلك من معارف؛ فهو مؤرخ ذلك الزمن إذن، ولهذا نرى لفظة "أخبار" بمعنى تأريخ، ورد في "الفهرست" في أثناء الحديث عن عبيد بن شَرْيَة الجرهمي ومعاوية: فسأله "أي معاوية عن الأخبار المتقدمة وملوك العرب والعجم"٢، وورد عن "ابن دأب" وكان "عالمًا بأخبار العرب وأشعارها"٣ وذكر عن "عوانة بن الحكم" أنه كان "راوية للأخبار عالمًا بالشعر والنسب"٤. وورد عن "أبي اليقظان النسابة" أنه كان "عالمًا بالأخبار والأنساب والمآثر والمثالب"٥. وورد مثل ذلك عن أشخاص آخرين هم في أوائل من اشتغل بالتأريخ عند المسلمين، يخرجنا ذكرهم هنا عن حدود هذا الموضوع٦.

ويظهر من دراسة "الفهرست" لابن النديم والمؤلفات الأخرى أن العرب في صدر الإسلام لم يكونوا يطلقون لفظة "المؤرخ" على من يشتغل بالتأريخ؛ ذلك لأن التأريخ نفسه في ذلك العهد لم يكن قد تطور وبلغ الشكل الذي بلغه في أواخر أيام الأمويين وفي الدولة العباسية؛ بل كانوا يطلقون على المؤرخ "الأخباري" كما ذكرت، لاشتغاله بالأخبار كائنة ما كانت أخبار ما قبل الإسلام أو أخبار الإسلام، وكانوا يطلقون على الموضوع نفسه "الأخبار"؛ ولهذا نرى أن أكثرية المشتغلين بها، أطلقوا على كتبهم: "الأخبار المتقدمة" و"أخبار الماضين" و "أخبار النبي"و "أخبار العرب" و "كتّاب السير في الأخبار والأحداث" وأمثال ذلك، ولم يقولوا: "تأريخ المتقدمة" أو "تأريخ الماضين" أو "تأريخ العرب" أو "تأريخ الرسول"، ويستعملون لفظة "سيرة" و "السير" في سير الأشخاص، ولا سيما "سيرة الرسول". وأما لفظة "تأريخ"؛ فقد


١ الفهرست "ص١٢٨".
٢ الفهرست "ص١٣٨".
٣ الفهرست "ص١٣٩".
٤ الفهرست "ص١٤٠".
٥ الفهرست "ص١٤٤".
٦ يراجع الباب المسمى "المقالة الثالثة": في أخبار الأخباريين والنسّابين وأصحاب الأحداث.. من كتاب الفهرست، لابن النديم "ص١٣٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>