للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصار يشعر أنه ملك الدنيا، فلما أرسل إليه "أذينة" رسالة مع هدايا تحملها قافلة كبيرة من الجمال، وصلت إليه في أثناء عودته منتصرًا، تملكه العجب من تجاسر "أذينة" على مخاطبته بلهجة ليس فيها كثير من التعظيم والتفخيم والاحترام، وهو "ملك الملوك" و"أذينة" رئيس موضع في البادية، فأخذته العزة وأمر برمي هداياه في "الفرات" قائلًا: "ومن هو أذينة Odenathus هذا؟ ومن أي أرض هو حتى يوجه هذه الرسالة إلى سيده؟ فليأتِ حالًا إذا أراد أن يخفف من العقاب الذي سينزل به، وليسجد أمامي بعد أن توثق يداه إلى ظهره! ". فلما سمع "أذينة" بهذه الإهانة، جمع ما عنده من قوة، وأسرع فباغت الساسانيين مباغتة أفزعتهم، فوقع الرعب فيهم، حتى تركوا له أكثر ما حصلوا عليه من غنائم من حربهم مع الرومان، وفقدوا بعض زوجات الملك، إذ وقعن أسرى في أيدي قوات "أذينة". ولم يكتفِ ملك "تدمر" بهذا الانتقام، بل أسرع في سنة "٢٦٣م" فهاجم الجزيرة، فانتصر على "سابور"، ثم حاصر عاصمته "طيفسون"١.

وقد استمر الساسانيون في محاربة "أذينة" رجاء التغلب عليه والانتقام منه إلى سنة "٢٦٥م" من غير جدوى، إذ قتل "أذينة" دون أن يتمكن "سابور" من أخذ الثأر منه٢.

ولما تغير الزمن، واتبعت "الزباء" سياسة معادية للرومان، وحاصرها "أورليان" Aurelian, اتصلت بالساسانيين رجاء الحصول منهم على مساعدة عسكرية؛ لتتخلص بها منهم، إلا أن الملك "بهرام" لم ينجدها؛ فسقطت أسيرة في أيدي الرومان سنة "٢٧٢م"، وأخذ نجم المدينة المهمة التي اتخذها "هادريان" Hadrian قاعدة عسكرية لحماية حدود بلاد الشأم من المغيرين، في الأفول منذ ذلك الحين. وكان تقاعس "بهرام" عن مساعدة "الزباء" من ضعف سياسة ذلك الملك، الذي لم يكن ذا همة في إدارة الملك٣.


١ Sir Percy Sykes, A History Of Persia, Vol., I. P.٤٠٢.
٢ أرثر كريستينسن، إيران في عهد الساسانيين "ص٢١٣ فما بعدها"، Ency., Vol., ٤, P.٣١٢, Pauly-Wissowa, ٢, II, Reihe, I, ٢٣٢٨, ٢٣٣١
٣ إيران في عهد الساسانيين "ص٢١٥"، Sykes, History Of Persia, Vol., I, P.٢٠٧

<<  <  ج: ص:  >  >>