وأما صلات "البيزنطيين" بالعرب، فلا نعلم عن بدايتها إلا شيئًا قليلًا؛ لأن الموارد التأريخية لم تهتم بغير الأحداث الكبرى، التي كان لها شأن في تأريخ الروم, فلم تشر إلى العرب إلا في أثناء اشتراكهم اشتراكا جماعيا في جيش البيزنطيين في قتال الساسانيين أو في جيش الفرس إبان قتال البيزنطيين. وأما القبائل العربية وغاراتها على حدود بلاد الشأم، فلم تتعرض لها؛ لأنها لم يكن لها شأن، فهي حوادث اعتيادية محلية، ثم أنها إذا تطرقت إلى المهم منها تطرقت إليه بإيجاز؛ ولهذا حرمنا الوقوف على صلات العرب بالبيزنطيين بصورة مفصلة, وعلى أخبار الإمارات العربية التي حكمت في البادية الملاصقة لبلاد الشأم وفي بلاد الشأم, ما بين ظهور دولة البيزنطيين وبزوغ نجم آل غسان.
لقد كابد الساسانيون والبيزنطيون من القبائل العربية عنتًا شديدًا مثل ما كابده المتقدمون عليهم منهم. فقد كانت تراقب الفرص لتهاجم الحدود أو الجيوش النظامية في أثناء انتقالها إلى ساحات القتال أو اشتغالها في القتال، أو في أثناء تراجعها أو هزيمتها، فتوقع بها وتكبدها خسائر، وتربك وضعها، ثم إنها كانت تنتقل من موضع إلى موضع، من الأرضين الخاضعة لسلطان البيزنطيين إلى الأرضين التابعة للساسانيين وبالعكس، وقد تثور وتهاجم القرى في دولة، فإذا عقبتها، هاجرت إلى الدولة الأخرى المعادية لها؛ ولهذا السبب وجد الساسانيون والبيزنطيون أن من مصلحتهما عقد اتفاقية تحرم انتقال الأعراب من أرض إحدى الحكومتين إلى أرض الحكومة الأخرى من غير ترخيص وتخويل، وذلك في أيام السلم بالطبع١.
لقد أخذت الدولة البيزنطية الأرضين التي كانت خاضعة لروما، وصارت تديرها من "القسطنطينية"، وتعين حكامها وترسل الجيوش إليها، وتطبق عليها القوانين التي تصدرها "القسطنطينية". بقي الحال على هذا المنوال إلى أن طرد البيزنطيون عن بلاد الشأم بظهور الإسلام، وإرساله الجيوش إلى تلك البلاد لنشر دين الله فيها. فذهب الحكم البيزنطي عنها، وبقي الأثر الثقافي أمدًا يهيمن على البلاد المفتوحة.
وقد كانت بصرى من أهم المدن التي يرد إليها عرب الحجاز للاتجار, وكانت