للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي القدس أخذ "هيرودس" يحرض قومه على الانتقام من العرب، والأخذ بالثأر، ولا سيما بعد هجوم العرب على مملكته ومباغتة مدنه، فنشبت سلسلة من الحروب كلفت اليهود والعرب خسائر كبيرة، إذ طالت الحروب، ولم تنته إلا بعد مشقة. ويدعي المؤرخ "يوسفوس" أن النصر، كان في الخاتمة في جانب اليهود. فقد جمع "هيرودس" كل قواته وأعاد تنظيمها، ثم عبر الأردن، ولما بلغ "عمان" "Philadelphia" التحم بالنبط، فأنزل بهم خسائر كبيرة. إذ سقط منهم خمسة آلاف قتيل، واستسلم منهم أربعة آلاف رجل كانوا قد تحصنوا في معسكر حصين، ولكن أجبرهم العطش في الأخير على الاستسلام. كما قتل سبعة آلاف آخرون كانوا حاولوا الفرار من الحصار، فتعقبهم اليهود وقتلوهم١. واضطر النبط عندئذ إلى دفع الجزية إلى "هيرودس"، وعقدوا صلحًا معه، ولم تخالفه العرب بعد ذلك٢.

يقول "يوسفوس": إن العرب كانوا يكرهون "هيرودس" وحاولوا الثورة عليه والانتقام منه حتى بعد عقد هذا الصلح، وقد كان في جملة من دفع الجزية إليه العرب الساكنون في "حوران" "Aurantitis"، بحكم تبرع القيصر "أغسطس" بأرضهم له، إلا أنهم كانوا يدفعون الجزية إليه أحيانًا، وكانوا يمتنعون من دفعها أحيانًا، أخرى، ويحاولون التخلص منه. ولم تكن قوة "هيرودس" في الحقيقة هي التي جعلت هؤلاء الأعراب يقبلون بمصالحة اليهود أو دفع الجزية لهم، إنما كانت قوة الرومان التي تسخرها أيد إدارية قوية تحسن التوجيه للبطش في القبائل المتعادية وفي سادات القبائل المتنافسين على الزعامة المتباغضين، وفي العساكر المسخرين الذين أكرهو على القتال، ولم يكن لديهم علم بأسلوب القتال ولا بكيفية استخدام الأسلحة، ولا عزم على الوقوف في وجه الخصم، وليس لهم ضباط وقادة مجربون محنكون، لهم هدف وطني وخبرة بأساليب القتال، ولم يكونوا يرون في الفرار ما لا يتفق مع واجبهم العسكري.

ولا ندري متى كانت نهاية الملك "مالك" بعد هذه الخسائر التي حلت بالنبط. والظاهر أنه لم يعمر بعدها طويلًا، أو أنه مات في أثنائها، فإن المؤرخ "يوسفوس"


١ Josephus, Antiq., ١٥, ١٥٣, ١٥٧-١٥٨, Jewish War, I, ٣٨٣, Die Araber, I, S., ٣٠٦.
٢ تأريخ يوسفوس "ص ١٦٨ وما بعدها".
Josephus, Antiq., Xv, V, ١-٥, The Jewish War, Book, I, Xix, ١-٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>