ولا نعرف شيئًا كثيرًا عن المكانة التي حصل عليها بعد مقتل "أذينة" وتولي "الزباء" أعباء الحكم نيابة عن ابنها "وهبلات"، والظاهر أنه لم ينل عند الملكة المنزلة التي بلغها عند "أذينة"، وأن عينته الملكة نائبًا عنها في بعض الأوقات، وكل ما وصل إليه عندها هو منصب "مستشار"، فقد كانت تستدعيه عند الحاجة لاستشارته في بعض الأمور الخطيرة. وقد كان لها جماعة مستشارين تستعين بآرائهم في إدارة الحكم وفي تنظيم الأمور المالية، ولا سيما الجباية من التجارة والتجار.
ولم يشر "الطبري" ولا غيره من المؤرخين المسلمين إلى حروب "أذينة" مع "سابور" على أهميتها وبلوغ ملك "تدمر" فيها العاصمة "طيسفون". وهذا أمر يدعو إلى العجب حقًّا إذ كيف يهمل المؤرخون والأخباريون هذا الحدث الخطير؟ فلا بد أن يكون هنالك سبب. ورأيي أن سببه الموارد الأصلية التي اعتمد عليها المؤرخون المسلمون والأخباريون وأخذوا منها، وهي موارد فارسية الأصل متعصبة للفرس، أو موارد عراقية ميالة إليهم.
وقد أخذ المؤرخون المسلمون تأريخ الفرس من موارد فارسية، أما تأريخ الرومان واليونان، فقد أخذوه من موارد نصرانية سريانية في الغالب، ولكنهم أخذوه بقدر، ولم يتوسعوا في الطلب، لذلك كان تأريخ الرومان واليونان مختصرًا جدًّا وضعيفًا بالقياس إلى ما دون عن تأريخ الفرس. عبارة عن جريدة بأسماء القياصرة جافة في الغالب، ونتف وقطع مبثوثة هنا وهناك في الفصول المدونة عن تأريخ الدول الفارسية ذكرت في المواضع التي تكون لها صلات بتأريخ الفرس، ولذلك أيضًا أدمج أكثر ما دون عن تأريخ الغساسنة وعرب الشأم في الأوراق التي دونت عن تأريخ الحيرة وعرب العراق. وقد انتزعت من موارد فارسية –عراقية، ففيها تعصب للفرس وللعراق على الروم والرومان وبلاد الشأم١.
وأظن أن الموارد الأولى التي نقل منها الأخباريون والمؤرخون كلامهم عن تأريخ الفرس لم ترقها الإشارة إلىانتصارات ملك كون مملكة في البادية بنفسه، على "سابور" صاحب انبراطورية واسعة تتباهى بنفسها على الرومان، فأهملت الكلام عنها بدافع العاطفة والنزعات القومية. فلما ترجمت تلك الموارد إلى العربية أو نقل.
١ مجلة المجمع العلمي العراقي، الجزء الأول والجزء الثاني.