للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحد عشر بيتًا. وقد أراد ابن "الكلبي" أن يكون حذرًا في هذه المرة، أو أن يظهر نفسه في مظهر الحذر الناقد، فقال: "ثلاثة أبيات منها حق، والبقية باطل"١. وجميل صدور هذا الحذر من الطبري، أو من ابن الكلبي، وقد عودانا سرد أبيات من الشعر العربي، نسباها إلى من هو أقدم عهدًا من جذيمة ولم يذكرا أنه باطل، أو أن فيه حقًّا وباطلًا.

وفي جملة ما تحدث به الأخباريون عن جذيمة أنه تكهن وتنبأ، وأنه اتخذ صنمين يقال لهما الضيزنان، وضعهما بالحيرة في مكان معروف، وكان يستسقي بهما ويستنصر بهما٢. فلم يقنع الأخباريون بالحديث عن ملك جذيمة وحده، فأضافوا إليه التنبؤ والكهانة وعبادة الأصنام.

وذكر بعض أهل الأخبار أن "جذيمة بن مالك بن فهم" وهو جذيمة الأبرش كان ينزل الأنبار ويأتي الحيرة ثم يرجع، وكان لا ينادم أحدًا ذهابًا بنفسه، وينادم الفرقدين. فإذا شرب قدحًا، صب لهذا قدحًا ولهذا قدحًا، وهو أول من عمل المنجنيق، وأول من حذيت له النعال، وأول من رفع له الشمع٣. بقي على ذلك حتى نادمه مالك وعقيل٤، إلى غير ذلك من أقوال وروايات عنه. وهي تدل على أنه كان قد ترك أثرًا في المجتمع في أيامه غير أثر الملك، مما حدا بالقوم أن يضعوا هذه الأقوال فيه.

واشتهر "جذيمة" عند أهل الأخبار بفرس له، ذكر أنها كانت من سوابق خيل العرب، اسمها "العصا". وفيها ورد في المثل: "إن العصا من العصية". وقد نجا "قصير بن سعد اللخمي" على فرسه هذه، فأخذ بثأره وقتل "الزباء" على زعم أهل الأخبار.

وهم يروون أن جذيمة كان يغازي إيادًا النازلين بـ "عين أباغ"، فذكر له اسم غلام من لخم في أخواله من إياد، هو عدي بن نصر، له جمال وظرف، فغزاهم. فبعثت إياد قومًا سقوا سدنة الصنمين الخمر، وسرقوا الصنمين، فأصبحا


١ الطبري "٢/ ٢٩".
٢ الطبري "٢/ ٢٩"، اليعقوبي "١/ ١٦٩"، الكامل، لابن الأثير "١/ ١٩٦".
٣ المعارف "٢٨١"، "ويذكر أيضًا أنه أول من أوقد الشمع"، الروض الأنف "٢/ ٣٠٣".
٤ اللسان "١٥/ ٦٨"، و"عصا"، الخيل لابن الكلبي "٣١"، نوادر المخطوطات "١٩٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>