للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها الجفاف. ويقل فيها سقوط الأمطار، ولذلك أصبحت أكثر بقاعها صحراوية قليلة السكان؛ غير أنها كثيرة الأودية، تطغى عليها السيول عند سقوط الأمطار، فتصير وكأنها طاغية مزبدة. وهي في الغالب طويلة، تسير في اتجاه ميل الأرض. أما الأودية التي تصب في البحر الأحمر أو في البحر العربي، فإنها قصيرة بعض الشيء، وذات مجرى أعمق، وانحدار أشد، والمياه تسيل فيها بسرعة فتجرف ما يعترضها من عوائق، وتنحدر هذه السيول إلى البحر فتضيع فيه، ومن الممكن الاستفادة منها في الأغراض الزراعية والصناعية. وقد تكون السيول خطرًا يهدد القوافل والمدن والأملاك، ويأتي على الناس بأفدح الخسائر١.

وفي كتب المؤلفين الإسلاميين إشارات إلى سيول عارمة جارفة، أضرت بالمدن والقرى والمزارع وبالقوافل والناس؛ إذ كانت قوية مكنتها من جرف الأبنية والناس، ومن إغراقهم حتى ذكر أن خراب عاصمة اليمامة القديمة كان بفعل السيل، وأن كثيرًا من المزارع والأموال هلكت وتلفت بفعل لعب السيول بها لعبًا لم تتحمله؛ فهلكت من هذا المزاح الثقيل٢.

وليس في استطاعة أحد التحدث عن ملاحة بالمعنى المفهوم من الملاحة في نهيرات حزيرة العرب، وذلك لأن هذه النهيرات إما قصيرة سريعة الجريان منحدرة انحدارًا شديدًا، وإما ضحلة تجف مياها في بعض المواسم فلا تصلح في كلتا الحالتين للملاحة. وهي أيضًا شحيحة بالثروة الحيوانية، وليس فيها إلا مقادير قليلة من الأسماك.

وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن كثيرًا من أودية جزيرة العرب كانت أنهارًا في يوم من الأيام. واستدلوا على ذلك بوجود ترسبات في هذه الأودية، هي من نوع الترسبات التي تكون في العادة في قيعان الأنهار، ومن عثور السياح على عاديات وآثار سكن على حافات الأودية. ومن نصّ بعض الكتبة "الكلاسيكيين" على وجود أنهار في جزيرة العرب؛ فقد ذكر "هيرودوتس" نهرًا سماه "كورس" زعم أنه نهر كبير عظيم، يصب في "البحر الأريتوي"، ويقصد به البحر الأحمر، وزعم أن العرب يذكرون أن ملكهم كان قد علم ثلاثة أنابيب صنعها


١ فتوح البلدان للبلاذري، الفصل الذي عقده لأخبار السيول، الطبري والأزرقي في أخبار السيول.
٢ NAVAL. PP,. ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>