للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهناك "وادي حنيفة"، وهو الأودية المهمة كذلك، يبتدئ من غرب "جبل طويق" ثم يتجه نحو الشرق نحو الخليج العربي. وهو مهم، ويمكن الحصول على المياه فيه بطريقة حفر الآبار؛ لأن الماء غير بعيد عن قاعه. وأما عند هُطول الأمطار، فإن المياه تجري إليه من السفوح فتسيل فيه١.

ولقلة المياه في بلاد العرب، انحصرت الزراعة فيها في الأماكن التي حبتها الطبيعة بمواسم تتساقط فيها الأمطار مثل العربية الجنوبية، وفي الأماكن التي ظهرت فيها عيون وينابيع، مثل وادي القرى في الحجاز، والأحساء على الخليج العربي. وفي الأودية والأماكان التي تكثر فيها المياه الجوفية؛ حيث استنبطت المياه منها بحفر الآبار. والزراعة في هذه الأماكن -باستثناء العربية الجنوبية- هي زراعة محدودة، حدودها ضيقة، وآفاقها غير بعيدة، وناتجها قليل لا يكفي لإعاشة كل السكان.

وقد لزمت سكان الأرضين التي تغيث السماء أرضهم، بإنزال الغيث عليها، الاستفادة من الأمطار المنهمرة، بحصرها وتوجيهها إلى مخازن تخزنها لوقت الحاجة، وذلك بإنشاء السدود وإقامة خزانات ذوات أبواب تفتح وتغلق لتوجيه المياه الوجهة التي يريدها الإنسان. وقد أقيمت هذه السدود في مواضع متناثرة من جزيرة العرب، خاصة في الأماكن التي يركبها المطر مثل العربية الجنوبية والعربية الغربية. وتشاهد اليوم آثار سدود جاهلية استعملها الجاهليون للاستفادة من مياه الأمطار.

ولما كانت الأمطار رحمة ونعمة كبرى، إذا انحبست نفقت إبل العرب ومواشيهم، صار انحباسها نقمة وهلاكًا، وعدّوا انحباسها عنهم غضبًا من الآلهة ينزل بهم، ولهذا كان الجاهليون يتضرعون على آلهتهم ويتقربون إليها، أن تنزل عليهم الغيث، ولهم في ذلك صلوات وأدعية للاستسقاء سيأتي الحديث عنها في باب الدين عند الجاهلين.

وعلى خلاف العيون الحارة التي هي من آثار التفاعلات البركانية والتفاعلات الباطنية الكيمياوية، فإن في بلاد العرب عيون وينابيع وواحات، صارت موطنًا للزراع والزرع. وبعض هذه العيون، تتدفق من الجبال والهضاب وبعد مجرى قصير تعود فندخل باطن الأرض كما هو الحال في أرض "مَدْيَن". وهنالك


١ حافظ وهبه، جزيرة العرب "ص٤٦". Handbook of arabia, vol, ١, p, ١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>