للجبهة التي هم فيها. وزلفى إليها وتقربًا. لقد سخر الروم كل قواهم السياسية للهيمنة على جزيرة العرب. أو إبعادها عن الفرس وعن الميالين إليهم على الأقل.
وعمل الفرس من جهتهم على تحطيم كل جبهة تميل إلى الروم وتؤيد وجهة نظرهم وعلى منع سفنهم من الدخول إلى البحر الهندي، والإتجار مع بلاد العرب. وعمل المعسكران بكل جد وحزم على نشر وسائل الدعاية واكتساب معركة الدعاية والفكر، ومن ذلك التأثير على العقول. فسعى الروم لنشر النصرانية في الجزيرة، فأرسلوا المبشرين وساعدوهم، وحرضوا الحبشة على نصرها ونشرها، وسعى الفرس لنشر المذاهب النصرانية المعارضة لمذهب الروم والحبشة ولتأييد اليهودية أيضًا. وهي معارضة لسياسة الروم أيضًا. ولم يكن دين الفرس كما نعلم نصرانيًّا ولا يهوديًّا، وإنما هو دين بغيض إلى أصحاب الديانتين. ولم يكن غرض الروم من بث النصرانية أيضًا خالصًا لوجه الله بريئًا من كل شائبة.
أما النجاشي الذي أرسل الوفد إلى أبرهة فاسمه "رمحيز زبيمن""رمحيز زبيمان" كما ذكر ذلك أبرهة نفسه. ولا يعرف من أمر هذا النجاشي شيء كثير، ولا يعرف كذلك أكان قد خلف النجاشي "كالب إيلا أصبحة" kaleb ela asbeha الذي بأمره كان الفتح أم كان خلفًا لخليفته١. وقد أشرت من قبل إلى ما ذكره "بروكوبيوس" وأهل الأخبار عن التوتر الذي كان بين نجاشي الحبشة وأبرهة، وعن امتناع أبرهة عن دفع جزية سنوية إليه، ويظهر أن أبرهة رأى أن من الخير له مصالحة النجاشي والاعتراف بسلطانه اسميًّا، وفي ذلك كسب سياسي عظيم، كما هو كسب للنجاشي ولو صوريًّا، فدفع الجزية له، وتحسنت العلاقات.
وأما "ملك رمن" ملك الروم، فلم يذكر "أبرهة" اسمه في نصه. ولكن يجب أن يكون هو القيصر "يوسطنيانوس" justinian الذي حكم من سنة "٥٢٧" حتى سنة "٥٦٦" للميلاد، وكان حكمه بعد حكم "يسطين" الذي ولي الحكم من سنة "٥١٨" حتى سنة "٥٢٧" للميلاد. وكان "يوسطنيانوس""يوسطنيان" قد وضع خطة للتحالف مع الحبش ومع حمير للإضرار بالفرس. وراسل "السميفع أشوع" esimiphaeus للاتحاد معه ولمحاربة الفرس، فلما تولى "أبرهة" الحكم عاد القيصر فاتصل به، وتودد إليه لتنفيذ ما عرضه على "السميفع أشوع"