للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أشير إلى أبرهة الأشرم وإلى الفيل في شعر شعراء جاهليين ومخضرمين وإسلاميين. وقد ورد في شعر "عبد الله بن الزبعرى" أنه كان مع "أمير الحبش" ستون ألف مقاتل١. وورد في شعر "أمية بن أبي الصلت" أن الفيل ظل يحبو بـ"المغمس" ولم يتحرك، وحوله من ملوك كندة أبطال ملاويث في الحروب صقور٢. ومعنى هذا أن سادات كندة كانوا مع الحبش في زحفهم على مكة.

وذكر "عبد الله بن قيس الرقيات": أن "الأشرم" جاء بالفيل يريد الكيد للكعبة، فولى جيشه مهزومًا، فأمطرتهم الطير بالجندل، حتى صاروا وكأنهم مرجومون يمطرون بحصى الرجم٣.

وذكر أن "عمر بن الخطاب" كان في جملة من ذكر "أبا يكسوم أبرهة" في شعره، واتخذه مثلًا على من يحاول التطاول على بيت الله وعلى "آل الله" سكان مكة. وذكر أهل الأخبار أنه قال ذلك الشعر في هجاء "زنباع بن روح بن سلامة بن حداد بن حديدة" وكان عشارًا، أساء إلى "عمر بن الخطاب" وكان قد خرج في الجاهلية تاجرًا وذلك في اجتيازه وأخذ مكسه، فهجاه عمر، فبلغ ذلك الهجاء "زنباعًا" فجهز جيشًا لغزو مكة. فقال عمر شعرًا آخر يتحداه فيه بأن ينفذ تهديده إن كان صادقًا؛ لأن من يريد البيت بسوء يكون مصيره مصير أبرهة الأشرم، وقد كف زنباع عن تنفيذ ما عزم عليه ولم يقم به٤.

لقد تركت حملة "الفيل" أثرًا كبيرًا في أهل مكة، حتى اعتبرت مبدأ تقويم عندهم، فصار أهل مكة يؤرخون بعام الفيل "في كتبهم وديونهم من سنة الفيل". فلم تزل قريش والعرب بمكة جميعًا تؤرخ بعام الفيل، ثم أرخت بعام الفجار، ثم أرخت ببنيان الكعبة٥.

لقد كان لأهل مكة صلات باليمن متينة؛ إذ كانت لهم تجارة معها، تقصدها قوافلها في كل وقت، وخاصة في موسم الشتاء، حيث تجهز قريش قافلة كبيرة يساهم فيها أكثرهم، وإليها أشير في القرآن الكريم في سورة قريش:


١ بلوغ الأرب "١/ ٢٥٨"، روح المعاني "٢٨/ ٢٣٣".
٢ بلوغ الأرب "١/ ٢٦٠".
٣ بلوغ الأرب "١/ ٢٦٠".
٤ بلوغ الأرب "١/ ٢٦١ وما بعدها"، الاشتقاق "٢٢٥".
٥ الأزرقي "١/ ١٠٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>