للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا يمكن أن يشاكل سكانها سكان المناطق الباردة ذات الأمطار الغزيرة والخضرة الطبيعية الدائمة، أو سكان الأرضين التي حباها الله الخصب والأنهار والماء الغزيرة. من هنا اختلفت حياة العرب عن حياة غيرهم من الشعوب.

وللسبب المتقدم، أي سبب تحكم الطبيعة في مصيرالإنسان، انحصرت الحضارة في جزيرة العرب في الأماكن الممطورة والأماكن التي خرجت فيها المياه الجوفية عيونًا وينابيع، أو قاربت المياه فيها سطح الأرض، فأمكن حفر الآبار فيها. في هذه المواضع نبعت الحضارة وأظهر العربي فيها أنه مثل غيره من البشر قادر على الإبداع حين تتهيأ له الأحوال المواتية، وتساعده الطبيعة، ومن هذه الأماكن نستقي علمنا في العادة عن الجاهليين.

وعلى الرغم من سعة مساحة جزيرة العرب واتساعها؛ فإنها لم تتسع لعدد كبير من السكان لأن معظم أرضها صحراوية، لا تجذب الناس إليها ولا تساعد على ازدياد عدد السكان فيها ازديادًا كبيرًا، غير أن ذلك لا يعني أنها لايمكن أن تتسع لعدد أكبر من سكانها الحاليين، أن طاقتها لا يمكنها أن تتحمل هذا العدد أو ضعفه، بل الواقع هو أن في استطاعة الجزيرة تحمل أضعاف أضعاف هذا العدد، لو تهيأت لها حكومات حديثة رشيدة، تأخذ بأساليب العلم الحديث في استنباط مواردها الطبيعية لمصلحة أهلها وفي تحسين الصحة العامة وإيجاد موارد رزق الناس، وضمان الأمن والسلامة لهم، وإسكان الأعراب، وعمل ما شاكل ذلك من أمور. فإن سكان الجزيرة سيزدادون حتمًا، ويبلون أضعاف أضعاف ما هم عليه اليوم.

ونجد بين سكان جزيرة العرب في الوقت الحاضر اختلافًا في الملامح الجسمية. فأهل أعالي نجد هم أقرب في الملامح إلى قبائل عرب الأردن وعرب بادية الشام، وأهل الحجاز والسواحل، يختلفون بصورة عامة عن أهل البواطن، أي باطن الجزيرة، في الملامح بسبب اختلاط أهل السواحل بسكان السواحل المقابلة لهم، وامتزاج دمائهم. وقد أجرى بعض الباحثين المحدثين فحوصًا علمية على السكان في مواضع متعددة من جزيرة العرب لمعرفة الملامح البارزة عليهم والأصول التي يرجعون إليها؛ فوجدوا أن هناك امتزاجًا واضحًا بين السكان يظهر بصورة خاصة في السواحل، وهو امتزاج يرجع بعضه إلى ما قبل الإسلام ويرجع بعض آخر إلى الزمن الحاضر١.


١ Naval, p,, ٣٦٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>