للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد وجد "كسرى أنوشروان" "٥٣١-٥٧٩م" في انشغال "يوسطنيان" "جستنيان" "jUSTINIAN" "٥٢٧-٥٦٥م" بالحروب في الجبهات الغربية, فرصة مواتية للتوسع في المناطق الشرقية من الإمبراطورية البيزنطية، فتحلل من "الهدنة الأبدية" التي كانت قد عقدت بين الفرس والروم, وهاجم الإمبراطورية منتحلًا أعذارًا واهية، واشترك في قتال دموي مر بجيوش الروم. ولم يفلح مجيء القائد "بليزاريوس" "BELISARIUS" من الجبهات الإيطالية لإيقاف تقدم الفرس، فسقطت مدن الشام وبلغت جيوش الفرس سواحل البحر المتوسط، وبعد مفاوضات ومساومات طويلة تمكن الروم من شراء هدنة من الفرس أمدها خمس سنوات بشروط صعبة عسيرة، وبدفع أموال كثيرة. ثم مُدت هذه الهدنة على أثر مفاوضات شاقة مع الفرس خمسين عامًا, حيث عقد الصلح في سنة "٥٦١" أو "٥٦٢م", تعهد الروم لكسرى بدفع إتاوة سنوية عالية، وتعهد الفرس في مقابل ذلك بعدم اضطهاد النصارى، وبالسماح للروم في الاتجار في مملكتهم على شرط معاملة الروم لرعايا الفرس المعاملة التي يتلقاها تجار الروم في أرض الساسانيين١.

و"يوسطنيان" معاصر "كسرى أنوشروان" شخصية فذة مثل شخصية معاصره، ذو آراء في السياسة وفي الملك، من رأيه أن الملك يجب أن يكون دليلًا وقدوةً ونبراسًا للناس، وأنه لا يكون عظيمًا شهيرًا لحروبه ولكثرة ما يملكه من سلاح وجند، إنما يكون عظيمًا بقوته وبقدرته وبالقوانين التي يسنها لشعبه للسير عليها، تنظيما للحياة. فالملك في نظره قائد في الحروب ومرشد في السلم، حامٍ للقوانين، منتصر على أعدائه. وكان من رأيه أن الله قد جعل الأباطرة ولاته على الأرض، وأدلة للناس، قوامين على الشريعة، ولذلك فإن من واجب كل إمبراطور أن يقوم بأداء ما فرضه الله عليه, بسن القوانين وتشريع الشرائع، ليسير الناس عليها. ولما كانت القوانين التي سارت عليها الإمبراطورية الرومانية كثيرة جدًّا، حتى صعب جمعها وحفظها، تطرق إليها الخلل، وتناقضت


١ A. A. Vasillev, History of the Byzantine Empire, ١٩٥٢, PP. ١٣٨, K. Guterbck, Byzants und Persien in ٩hren Dipkomatischen Wolkerrechtlioden Beziehungen in Zeitalter Justinains, S. ٥٧, ١٠٥. Bury, Later Roman Empire, II, PP. ١٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>