للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

و"الحاضرة" من العرب، أما أهل البادية فعرفوا، بـ"أعراب"، مع أن كلمة "العرب" قد أطلقت في لغتنا لتشمل العربين: عرب الحاضرة وعرب البادية١. ويظهر أن هذا الإطلاق إنما وضع قبيل الإسلام، فقد سبق لي أن بينت في الجزء الأول من هذا الكتاب تأريخ كلمة "عرب"، وبينت كيف تطورت اللفظة إلى ظهور الإسلام، وقد رأينا أنها كانت تعني أهل البادية، أي: الأعراب في الأصل. أما الحضر فعرفوا بأسماء أماكنهم أو قبائلهم، وآية ذلك أن التوراة والكتابات الآشورية والبابلية بل والجاهلية، أي الكتابات العربية التي تعود إلى ما قبل الإسلام، كانت كلها إذا ذكرت الحضر، ذكرتهم بأسمائهم ولم تطلق عليهم لفظة "عرب"، أما إذا ذكرت أهل البادية، فإنها تستعمل لفظة "عرب" و"عربي"، أي أعراب وأعرابي مع أسمائهم، وذلك مثل "جندب"، وهو رئيس قبيلة، وقد حارب الآشوريين، فقد دعي في الكتابات الآشورية بـ"جندب العربي"، أو "جندب الأعرابي" بتعبير أصح، ومثل "جشم" الذي نعت في سفر "نحميا" من أسفار التوراة بـ"جشم العربي" إشارة إلى كونه من الأعراب، لا من الحضر، وهو من الملوك كما سبق أن تحدثت عنه في الجزء الأول من هذا الكتاب٢, إلى غير ذلك من أمثلة تحدثت عنها في أثناء حديثي عن لفظة عرب.

أما "يقطن" وهو "قحطان", ونسله مثل: سبأ وحضرموت. وأما "إسماعيل" ونسله، وأما أهل "تيماء" و"مدين" وأمثالهم فلم تطلق التوراة عليهم لفظة "عرب"؛ لأنهم لم يكونوا أعرابًا، بل كانوا حضرًا؛ ولهذا ذكرتهم بأسمائهم، فاستعمال "عرب" إذن بمعنى أهل الحاضر والحاضرة، أو أهل المدر، هو استعمال متأخر، ظهر بعد الميلاد.

لقد ذهب علماء العربية كما سبق أن بينت في الجزء الأول من هذا الكتاب، إلى أن العربية هي لغة "يعرب"، وهو أول من أعرب بلسانه على حد قولهم، وذهبوا إلى أن العدنانيين متعربون، ولم يكونوا عربًا في الأصل، ثم تعلموا


١ بلوغ الأرب "١/ ١٢".
٢ "ص٦٤٦ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>