للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا أتى الريف، ومن هنا عرف البدوي بأنه جوَّاب بيداء، لا يأكل البقل ولا يريف١.

وورد في الحديث: "كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف، أي: إنا من أهل البادية, لا من أهل المدن"٢. ولكن المفهوم من لفظة "ضرع"، أنها لفظة تطلق على الماشية ذوات الظلف والخف، أو للشاء والبقر٣، ولهذا فيجب تفسيرها بإنا من أهل ذوات الظلف والخف، أي: من الرعاة لا أهل الزرع -والرعاة هم قُطَّان المشارف- القريبين من القرى والريف، ولا يقيمون في البادية؛ لأن الشاء والبقر وبقية الماشية باستثناء الإبل لا تعيش في البادية, وإنما ترعى الأماكن الخصبة من الماء والريف.

والحاضرة خلاف البادية، وهي القرى والمدن والريف، سموا بذلك لأن أهلها حضروا الأمصار ومساكن الديار التي يكون لهم بها قرار. وذكر أن كل من نزل على ماء عدّ ولم يتحول عنه شتاءً ولا صيفًا، فهو حاضر، سواء نزلوا في القرى والأرياف وبيوت المدر أو بنوا الأخبية عند المياه فقروا بها ورعوا ما حواليها من الكلأ؛ ولهذا قالوا: الحاضر: القوم نزول على ماء يقيمون به ولا يرحلون عنه. وقد يكون ذلك في البوادي، إذ يقيمون حول بئر أو ماء دائم، ولا يرتحلون عنه. فهذا نوع من أنواع الحاضرة في جزيرة العرب٤, وهم بهذا حضر جزيرة العرب، فهم سكان مستوطنات صغيرة ظهرت في مواضع الماء وعند مفترق الطرق، في هذه البوادي الجافة الواسعة.

وفي هذه الحواضر التي أسعفها الحظ بالماء، ظهرت مجتمعات متحضرة، أي مستقرة، استفادت من الماء فبنت بعض البيوت وزرعت بعض النخيل والأشجار. ومقياس هذه الحواضر هو الماء, فإذا وجد بغزارة أو كان قريبًا من سطح الأرض, توسعت به رقعة الحضارة بمقدار سعة الماء, وسعد الناس بالعيش في بيوت


١
جواب بيداء بها غروف ... لا يأكل البقل ولا يريف
ولا يرى في بيته القليف
اللسان "٩/ ١٢٨ وما بعدها"، "ريف"، تاج العروس "٦/ ١٢٣"، "تريف".
٢ اللسان "٩/ ١٢٨"، "ريف".
٣ اللسان "٨/ ٢٣"، "ضرع"، تاج العروس "٥/ ٤٣٠"، "ضرع".
٤ اللسان "٤/ ١٩٧ وما بعدها"، "حضر".

<<  <  ج: ص:  >  >>