المعنيين في حياة الأعرابية؛ بسبب اتصالهم بالأجانب وأخذهم عنهم واحتكاكهم بالحضر، الذين هم أرقى من الأعراب بكثير, فأخذوا عنهم وتعلموا منهم أشياء كثيرة, من مادية ومعنوية, سأتحدث عنها في المواضع المناسبة من أجزاء هذا الكتاب.
وقد عرفت الأرض التي تقع بين الفرات وبين بَرِّيَّة العرب بـ"العبر". قال علماء اللغة:"والعبر بالكسر: ما أخذ على غربي الفرات إلى برية العرب"١؛ لأنها المعبر الذي يعبر عليه للوصول إلى البادية، أو الدخول من البادية إلى الفرات. وقد تكونت بها قرى عربية لعبت دورًا مهمًّا في تأريخ العراق لموقعها العسكري المهم، ولأنها الخط الأمامي الذي كان يواجه الأعراب الغزاة ومن كان يحكم بلاد الشام من حكام، ولكونها المنطلق الذي تنطلق منه الجيوش التي تريد غزو بلاد الشام، أو صد القوات الزاحفة على العراق من الغرب.
والبداوة هي التي أمدت العراق وبلاد الشام وسائر جزيرة العرب بالحضر، فقد كان الأعراب يأتون الحواضر وينيخون هناك، ويستقرون ثم يتحولون إلى حضر. لذلك تكون البادية المنبع الذي يغذي تلك الأرضين بالعرب الحضر.