للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومصادرها واشتقاقها، وهو شيء مألوف نراه عند غير العرب أيضًا، فليس العرب بدعًا وحدهم في هذه الأمور.

وما يذكره ويرويه أهل الأخبار عن أزمنة أجداد القبائل، فيه أغلاط وأوهام. فقد يرفعون زمان رجل فيبعدونه كثيرًا عن الإسلام, بينما هو من الرجال الذين عاشوا قبيل الإسلام, وقد يجعلون الرجل من الجاهلية القريبة من الإسلام، بينما يجب وضعه قبل الإسلام بقرون، ثم هناك أخطاء فادحة في سرد سلاسل النسب، وفي أسماء الأشخاص، ولا سيما في الأنساب القديمة، بحيث يصعب على الباحث الأخذ بها والتأكد منها. أما بالنسبة إلى الأنساب القريبة من الإسلام، فإن وضعها يختلف عن وضع الأنساب المذكورة، إذ يغلب عليها طابع الصحة والضبط.

وقد ذهب المستشرق "بلاشير" إلى أن طريقة النسابين بالنسبة إلى الأرهاط، هي طريقة إيجابية مقبولة، ولكنها لا تستند إلى أسس صحيحة بالنسبة للقبائل والأحلاف؛ بسبب أن تحالف القبائل وتكتلها راجع إلى عوامل المصلحة الخاصة والمنافع السياسية، وهي تتغير دومًا بتغير المصالح، تتولد تبعًا لذلك أحلاف لم تكن موجودة, وتموت أحلاف قديمة، وتظهر قبائل كبيرة وتموت غيرها. ولهذا التغير فعل قوي في تكوين الأنساب وفي نشوئها, إذ تتبدل وتتغير الأنساب تبعًا لذلك التغير، ومن ثَمَّ فلا يمكن الاعتماد على الأنساب الكبرى، التي دونها علماء النسب وجمعوها في مجموعات، وشجروها حفدة وآباء وأجدادًا١.

والمصالح السياسية للقبائل لا تقيم وزنًا للأخوة وللنسب؛ فإذا اختلفت المصلحة فلا تجد القبائل عندئذ أي غضاضة في الانفصال عن قبيلة مؤاخية لها, لتتحالف مع قبيلة غريبة عنها في النسب، ومحاربة أختها التي انفصمت عنها. فعبس مثلًا تحالفت مع "بني عامر" في حرب البسوس على "ذبيان"، وهي أختها, وتحالفت ذبيان مع "تميم" على "عبس"، مع ما بين "تميم" و"عبس" و"ذبيان" من عداء قديم. وقد وقعت أيام بين "تغلب" و"بكر" مع صلة الرحم والقرابة القوية التي ربطت بين القبيلتين الأختين٢. وقع كل ذلك وحدث بسبب تغير المصالح التي كانت تربط فيما بين هذه القبائل.


١ بلاشير، تأريخ الأدب العربي "العصر الجاهلي"، تعريب الدكتور إبراهيم كيلاني "ص٢٥ وما بعدها".
٢ بلاشير "٢٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>