للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يكون النجاح حليفه، فتزداد بذلك هيبته على أتباعه، وقد يمنى بخسارة فادحة فتقضي عليه وعلى حياته أيضًا. والنظام القبلي بعد, هو نظام استشاري, الرأي فيه لأصحاب الرأي فقط, أما الأفراد, أي: أبناء القبيلة وسوادها، فلا رأي لهم في تسيير الأمور، إلا إذا برز أحدهم وظهر في قبيلته بمواهب يعترف بها، كالحكمة أو الشرف، فقد يدخل في عداد أولي الرأي، ويكون له عندئذٍ عندهم رأي مسموع.

وعلى الرغم من استبداد بعض السادة برأيهم، وحكمهم بما يوحي إليه به حسهم وشعورهم، وتصرفهم في الأمور تصرفًا كيفيًّا، فإنهم كانوا يقيمون مع كل ذلك وزنًا للرأي، وقد يكون هذا الرأي رأي رجل مغمور من عامة أبناء القبيلة، أو رأي شاعر أو خطيب أو أي شخص آخر من أبناء القبيلة. فالحكم عند القبائل بهذا, حكم فردي استشاري يتوقف الرأي فيه على شخصية وكفاءة رئيس القبيلة، وعلى شخصية وكفاءة رؤساء البطون والأحياء.

وقد أدت غطرسة وعنجهية بعض سادات القبائل بهم إلى الموت, فقد لجئوا إلى القسوة والقهر في الحكم واستبدوا برأيهم استبدادًا فرق بينهم وبين رؤساء قبيلتهم؛ مما دفع بعض فرسان القبيلة وشجعانها على قتلهم للتخلص منهم، كالذي كان من أمر "كليب وائل"، الذي تعسف في حكمه وتجبر فاختار خيرة الأرضين الخصبة، فجعلها حمًى له، لا يحق لأحد الرعي بها، إلا بإذن منه. فأزعج عمله هذا من خضع لحكمه، فكانت عاقبته القتل.

والحلم عند العرب من أهم الصفات التي تؤهل الإنسان لحكم الناس. وهو عندهم الأناة والعقل، وقيل: ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب١, ومعالجة الأمور بهدوء وضبط أعصاب. وهو أحزم سياسة تلائم طبع الحكم، وقد عدوه من خلال الحكماء.

وممن عرف واشتهر أكثر من غيره بالحلم: "الأحنف بن قيس"، حتى ضربت العرب به المثل, فقالت: هو أحلم من الأحنف. وقد نسب أهل الأخبار


١ تاج العروس "٨/ ٢٥٦"، "حلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>